الجمعة، 24 يونيو 2016

آداب الدعـاء

آداب الـدّعـــاء




قال الله تعالى : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ". الآية 186 من سورة البقرة
وقال تعالى : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " . الآية 55 من سورة الأعراف
وقال تعالى : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " . الأية 60 من سورة غافر
وروى النعمان بن بشير عن النّبي صلّ الله عليه وسلّم أنه قال: " إنّ الدّعاء هو العبادة ثم قرأ " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " (1)


آداب الدعاء وهي عشرة :

الأول : أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة. ورمضان من الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل. قال تعالى: ( وبالأسحار هم يستغفرون ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) .(2)

الثاني : أن يغتنم الأحوال الشريفة ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها، وقال مجاهد: إن الصلاة جُعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات.
وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضاً، إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوّشات، ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات لما فيها من أسرار لا يطّلع البشر عليها.
وحالة السجود أيضاً أجدر بالإجابة قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا من الدعاء.(3)
وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرّب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه ضمن أن يستجاب لكم.(4)

الثالث: أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يُرى بياض إبطيه. وقال سلمان :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ربكم حيّي كريم يستحيي من عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفراً. (5)
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه :ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال. ثم ينبغي أن يمسح بهما وجهه في آخر الدعاء ولا يرفع بصره إلى السماء.

الرابع : خفض الصوت بين المخافتة والجهر لما روى أن أبا موسى الأشعري قال :قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس ورفعوا أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ياأيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم. (6)
وقال عز وجل: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ).

الخامس : أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع والتكلف لا يناسبه.
روى عن معاذ رضي الله عنه: إن العلماء يحتاج إليهم في الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من العلماء؟وقد قال صل الله عليه وسلم:( إياكم والسجع في الدعاء حسب أحدكم أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وماقرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وماقرب إليها من قول وعمل).(7)
وقال بعضهم:ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة.
واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صل الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم: (أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد). (8)
فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل.

السادس : التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى : " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " الآية 90 من سورة الأنبياء ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبداً ابتلاه حتى يسمع تضرعه).(9)

السابع : أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لامكره له). (10)
وقال صلى الله عليه وسلم:( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل ). (11)
وقال سفيان بن عيينة: لايمنعنّ أحدكم من الدعاء مايعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله: "  قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ " الآيات 14 -15 من سورة الأعراف .

الثامن : أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً، قال ابن مسعود: كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثاً. (12)
وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم:( يستجاب لأحدكم مالم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً فإنك تدعو كريماً).(13)

التاسع : أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال .قال سلمة بن الأكوع (ماسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول: سبحان ربي الأعلى الوهاب). (14)
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله :من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع مابينهما.

العاشر : وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة : التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة فذلك هو السبب القريب في الإجابة .
إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولكن بالسر المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ماسقيتنا ماء غدقا فراتا تحي به العباد وتروي به البلاد يامن هو على كل شيء قدير .

أفلــح الزاهــدون والعابـدونا                     إذ لمولاهم أجاعـوا البطـونا
أسهروا الأعين العليلة حبا                   فانقضى ليلهم وهم ساهرونا
شغلتهم  عبادة  الله   حتى                  حسب الناس أن فيهم جنونا

يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس : اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلاّ بذنب ولم يكشف إلاّ بتوبة وقد توجه بي في القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لاييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون قال فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال.
__________________
إعداد :: رنيـم شـاكر أبو الشـامات
www.utopia-gate.com

المصدر:
من كتاب إحياء علوم الدّين - للإمام الغزالي ( بتصرّف )

الهوامش:
(1) حديث النعمان بن بشير (( إن الدعاء هو العبادة)) أخرجه أصحاب السنن والحاكم وقال صحيح الإسناد وقال الترمذي حسن صحيح.
(2) حديث ((ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل..... الحديث)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(3) حديث أبي هريرة ((أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)) رواه مسلم.
(4) حديث ابن عباس ((إنني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا..... الحديث))أخرجه مسلم.
(5) حديث سلمان ((إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً))أخرجه أبو داوود والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وقال إسناده صحيح على شرطهما.
(6) حديث أبو موسى الأشعري ((ياأيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولاغائب)) متفق عليه مع اختلاف، واللفظ الذي ذكره المصنف لأبي داوود.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية