الأحد، 26 يونيو 2016

لا تحزن (4)


لا تحــــزن 
(4) 



• ابتسم ..
• الضَّحِكُ المعتدلُ بلْسَمٌ للهمومِ ومرهَمٌ للأحزانِ، وله قوةٌ عجيبةٌ في فرحِ الروحِ ، وجَذلِ القلْبِ
والضحك ذِروةُ الانشراحِ وقِمَّةُ الراحةِ ونهايةُ الانبساطِ ولكنه ضحكٌ بلا إسرافٍ : ( لا تُكثرِ الضحك ، فإنَّ كثرةَ الضحكِ تُميتُ القلبَ) ولكنه التوسُّط : ( وتبسُّمك في وجهِ أخيك صدقةٌ )
ومن نعيمِ أهلِ الجنةِ الضحكُ : « فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ »
وكانتِ العربُ تمدحُ ضحوكَ السِّنِّ ، وتجعلُه دليلاً على سعةِ النفسِ وجودةِ الكفِّ ، وسخاوةِ الطبعِ ، وكرمِ السجايا ، ونداوةِ الخاطرِ وقالَ زهيرٌ في ( هَرِم ) :
تراهُ إذا ما جئتَهُ متهلِّلاً .. كأنكَ تعطيهِ الذي أنت سائلهُ
• يقولُ أحمد أمين في « فيْضِ الخاطرِ » : " ليس المبتسمون للحياة أسعدَ حالاً لأنفسِهِمْ فقط ، بلْ هم كذلك أقدرُ على العملِ ، وأكثرُ احتمالاً للمسؤوليةِ ، وأصلحُ لمواجهةِ الشدائدِ ومعالجةِ الصعابِ ، والإتيانِ بعظائمِ الأمورِ التي تنفعهُمْ وتنفعُ الناس ".
لو خُيِّرتُ بين مالٍ كثيرٍ أو منصبٍ خطيرٍ ، وبين نفسٍ راضيةٍ باسمةٍ .. لاخترتُ الثانيةَ ، فما المالُ مع العبوسِ ؟! وما المنصبُ مع انقباضِ النفسِ ؟!
وما كلُّ ما في الحياةِ إذا كان صاحبُه ضيِّقاً حرجاً كأنه عائدٌ من جنازة حبيبٍ؟!  وما جمالُ الزوجة إذا عبستْ وقلبتْ بيتها جحيماً ؟! لخيرٌ منها – ألفَ مرةٍ – زوجةٌ لم تبلغْ مبلغها في الجمالِ وجعلتْ بيتها جنَّةً .
• لا قيمة للبسمة الظاهرة إلا إذا كانت منبعثة مما يعتري طبيعة الإنسان من شذوذ، فالزهرُ باسِمٌ والغاباتُ باسمةٌ، والبحارُ والأنهارُ والسماءُ والنجومُ والطيورُ كلُّها باسمةٌ . وكان الإنسانُ بطبعهِ باسماً لولا ما يعرضُ له من طمعٍ وشرٍّ وأنانيةٍ تجعلهُ عابساً ، فكان بذلك نشازاً في نغماتِ الطبيعةِ
المنسجمةِ ، ومنْ أجلِ هذا لا يرى الجمال من عبستْ نفسُه ولا يرى الحقيقةَ من تدنَّس قلبُه ، فكلُّ إنسانٍ يرى الدنيا من خلال عمِله وفكْرِه وبواعِثه ، فإذا كان العملُ طيباً والفكرُ نظيفاً والبواعثُ طاهرةً كان منظارُه الذي يرى به الدنيا نقياً ، فرأى الدنيا جميلةً كما خُلقتْ وإلاَّ تغبَّشَ منظارُه، واسودَّ زجاجُه ، فرأى كلَّ شيء أسود مغبشاً
• هناك نفوسٌ تستطيعُ أن تصنع من كلِّ شيء شقاء ونفوسٌ تستطيع أن تصنع من كلِّ شيءٍ سعادةً .. الحياةُ فنٌّ ، وفنٌّ يُتَعلَّمُ ولخيرٌ للإنسانِ أن يَجِدَّ في وضعِ الأزهارِ والرياحينِ والحُبِّ في حياتهِ من أن يجدَّ في تكديسِ المالِ في جيبهِ أو في مصرفِه
ما الحياةُ إذا وُجِّهتْ كلُّ الجهودِ فيها لجمعِ المالِ ، ولم يُوجَّهْ أيُّ جهدٍ لترقيةِ جانب الرحمةِ والحبِّ فيها والجمالِ ؟!
أكثرُ الناسِ لا يفتحون أعينهُمْ لمباهجِ الحياةِ، وإنما يفتحونها للدرهمِ والدينارِ يمرُّون على الحديقةِ الغنَّاءِ والأزهارِ الجميلةِ والماءِ المتدفِّقِ والطيورِ المغرِّدةِ فلا يأبهون لها ، وإنما يأبهون لدينارٍ يدخلُ ودينارٍ يخرجُ قدْ كان الدينارُ وسيلةً للعيشةِ السعيدةِ فقلبوا الوضع وباعوا العيشة السعيدة من أجلِ الدينارِ وقد رُكِّبتْ فينا العيونُ لنظرِ الجمالِ ، فعوَّدناها ألا تنظر إلاَّ إلى الدينارِ
• ليس يعبِّسُ النفس والوجه كاليأسِ ، فإنْ أردت الابتسامُ فحارب اليأس
إنّ الفرصة سانحةً لك وللناسِ ، والنجاحُ مفتوحٌ بابُه لك وللناسِ فعوِّدْ عقلك تفتُّح الأمل ، وتوقُّع الخيرِ في المستقبلِ إذا اعتقدت أنك مخلوقٌ للصغيرِ من الأمورِ لمْ تبلغْ في الحياةِ إلا الصغير
وإذا اعتقدت أنك مخلوقٌ لعظائمِ الأمورِ شعرت بهمَّةٍ تكسرُ الحدود والحواجز وتنفذُ منها إلى السّاحةِ الفسيحةِ والغرضِ الأسمى النفسُ تعطيك من الهمَّةِ بقدرِ ما تحدِّدُ من الغرضِ .. حدِّدْ غرضك وليكنْ سامياً صعْب المنالِ ، ولكنْ لا عليك في ذلك .. ما دمت كلَّ يومٍ تخطو إليه خطواً جديداً
• النّفسُ الباسمةُ ترى الصعابَ فيلذُّها التغلُّبُ عليها ، تنظرُها فتبسم وتعالجها فتبسمْ ، وتتغلبْ عليها فتبسمْ .. والنّفسُ العابسةُ لا ترى صعاباً فتخلفها ، وإذا رأتْها أكبرتْها واستصغرتْ همَّتها وتعلَّلتْ بــ لو وإذا وإنْ
وما الدهرُ الذي يلعنُه إلا مزاجُه وتربيتُه ، إنه يؤدُّ النجاح في الحياةِ ولا يريدُ أن يدفع ثمَنَهُ ، إنه يرى في كلِّ طريق أسداً رابضاً ، إنه ينتظرُ حتى تمطرَ السماءُ ذهباً أو تنشقَّ الأرضُ عن كَنْزٍ .
إن الصعابَ في الحياةِ أمورٌ نسبيةٌ ، فكلُّ شيءٍ صَعْبٌ جداً عند النفسِ الصغيرةِ جداً ، ولا صعوبة عظيمةً عند النفسِ العظيمةِ ، وبينما النفسُ العظيمةُ تزداد عظمةً بمغالبةِ الصِّعابِ إذا بالنفوس الهزيلةِ تزدادُ سقماً بالفرارِ منها
• الثقةُ بالنفس فضيلةٌ كبرى عليها عمادُ النجاحِ في الحياةِ وشتَّان بينها وبين الغرورِ الذي يُعدُّ رذيلةً ،
والفرقُ بينهما أنَّ الغرور اعتمادُ النفسِ على الخيالِ وعلى الكِبْرِ الزائفِ والثقةُ بالنفس اعتمادُها على مقدرتِها على تحمُّلِ المسؤوليةِ وعلى تقويةِ ملكاتِها وتحسينِ استعدادِها
قالَ : « السماءُ كئيبةٌ ! » وتجهَّما
قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهُّمُ في السما !
قالَ : الصِّبا ولَّى ! فقلتُ لهُ : ابتسمْ
لن يُرجعَ الأسفُ الصبِّا المتصرِّما !
ما أحوجنا إلى البسمةِ وطلاقةِ الوجهِ ، وانشراحِ الصَّدْرِ وأريحيّةِ الخُلُقِ ولطفِ الروحِ ولينِ الجانبِ ...
(إنَّ الله أوحى إليَّ تواضعوا ، حتى لا يبغي أحدٌ على أحدٍ ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ )

~ من كتاب لا تحزن .. للدكتور عائض القرني بتصرّف

• • • 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية