الجمعة، 24 يونيو 2016

موسوعة أسماء الله الحسنى ( المصور )

هو الله الّذي لا إله إلا هو ** المصوّر **



- فلماذا وجدت أسماء الله الحسنى؟ كي يكون أمر الله عز وجل عظيماً مستمداً من عظمة الله، المشكلة أن أمر الله بين الناس مبذول، والقرآن موجود والعلماء يشرحون كل أمر فلماذا يعصي الإنسان الله عز وجل ؟ لأنه لا يعرف حقيقة الآمر، فلو عرفه لَطَبّقَ الأمر ؛ فإذا عرفنا أسماء الله الحسنى وعرفنا عظمة الله عز وجل عندئذ يعظُم عِندَنا أمرُه وإذا عظّمنا أمره بادرنا إلى تطبيقه، فلذلك: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً (عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ ) . وحينما نتلو قوله تعالى: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » {البقرة: 21}
إذاً لماذا تعبدونه ؟ لأنه الذي خلقكم، وهو سبحانه خالق ورب ومسير فيجب أن تؤمن أنه خالق ورب ومسيّر ويجب أن تؤمن أنه واحدٌ في خلقه، واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في تسييره، فوحدانية الخلق ووحدانية الربوبية، ووحدانية التسيير، هذه هي التي إذا أيقنت بها وعملت لتحقيقها وبمقتضى ما أمرك هذا الخالق نجوت وارتقيت.
- وبالمناسبة، ففهم الاسم شيء وأن تعيشه شيء آخر، أي إذا فهمت أن الله هو الخالق بمعنى أنه خلق الأشياء من غير شيء على غير مثال سابق، فقد تنطلق في الحياة مؤمناً بأن كل ما يجري من فعله وبإرادته.
- وأسماء الله الحسنى منها ما يكون على صيغ مبالغة اسم الفاعل فتعني الكثرة النوعية والعددية، لكنك إذا انطلقت في الحياة العملية، ورأيت زيداً وعُبيداً، وحوادث وأفعالاً، ونسيت أن الله هو الذي يخلق كل هذا ويفعله وتجري به إرادته، فعندئذٍ نقول لك أنت فهمت معنى الخالق ولكن لم تعش هذا الاسم ولم تفكر به. وبعد فإن السعادة الكبرى الحقيقية، ليست في فهم تعريفات هذه الأسماء ولكن في أن تعيشها، ولا يمكن لك ذلك إلا إذا اجتهدت وجاهدت نفسك وهواها، وفي ممارسة العمل الصالح وبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس وعندئذ تُقبِل على الله عز وجل، وإذا أَقبلت عليه فهو يلقي في قلبك المعرفة والسكينة والطمأنينة، وعندئذ ترى الله في كل شيء.
فالكلمة الأخيرة إذاً ترتكز حول اسم الخالق بين أن تفهم تعريفه النظري أو أن تفهم هذا الاسم، وأن تعيشه مدى الحياة.
لقد ضربت على هذا مثلاً، مفاده أن الإنسان إذا قرأ قوله تعالى: « وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً » {الأحزاب: 71}
فمن يقرأ الآية مرات ومرات ولم يعِش مفهوها ولا تأثر بمعناها فما فهم منها شيئاً. إن الفرق كبير جداً بين أن تفهم أسماء الله الحسنى بحدودها وتعريفاتها والفرق بينها وبعض الأدلة وأقوال العلماء فيها، وبين أن تعيش هذه الأسماء، فإذا تأملّت الكون وعرفت الله عز وجل وبذلت جهداً كبيراً في طاعته، وفي التقرّب إليه فقد عاد عليك ذلك بالخير الكثير، وهو أنَّ الله يملأ قلبك غنى، ونفسك بصيرةً، وترى عندئذٍ ما لا يراه الآخرون وتسمع ما لا يسمعون فهذا هو التمييز، فإذا أردنا أن نُقرر حقيقة وهي أن هذه الأسماء الحسنى ينبغي ألا نكتفي بفهم مدلولاتها وحدودها، وأبعادها وتعريفاتها وما تعنيه في المعاني العامة والخاصة ولكن ينبغي أن نعيشها ونمتزج بها.
- ولابد من أن يكون هناك اتصال بالله عز وجل، حتى تعيش، أيها القارئ الكريم، هذه الأسماء وحتى تشعر أنك مع الله دائماً، وإذا كان الله معك فمن عليك، هذا الذي قاله الإمام الغزالي، ومن ثم فلتعلم أن هناك عِلماً بأمر الله وعِلماً بخلق الله، وآخر بالله.
العلم بأمر الله وبخلق الله يحتاج إلى مدارسة كتابٍ نقرؤه ونحفظه ونفهمه: أي نعيد ونكرر ونتذكر ونكتب، ثم نؤدي فحصاً ونأخذ شهادة فهذه المُدارسة عن طريق الكتاب والقراءة والمراجعة والفهم والتلقي والإلقاء وما شاكَلَ ذلك، هذه المُدارسة تؤدي إلى حفظ المعلومات، ولكن أين تُحْفَظ ؟
إنها تُحْفَظ في الدماغ ولكن المُجاهدة، وغض البصر، إنفاق المال، وبِرّ الوالدين والصدقة النافلة غير الزكاة، وقيام الليل، وإتقان الصلوات، وكثرة الذِكر وتِلاوة القرآن فهذه اسمُها مجاهدة للنفس وطاعة لله، ثم إذا عَزَفْتَ عن رحلة لا تُرضي الله وعن حفلة لا تُرضي الله، وطعام شهي جداً ولكن حوله حوله مجتمع اختلاطٍ وقُلت: مَعَاذَ الله، فهذه هي المُجاهدة للنفس لردها عن سُبل الهوى، أي أن تُجاهد نفسك وهَوَاك، ومن شأنِها أن تصلك بالله، وإذا اتصلت بالله عز وجل جاءتكَ أنواره وسكينته، وجاءتك السعادة، والبصيرة النافذة فالإنسان المؤمن شخصية فذة، أي يتمتع برؤية صحيحة، فيرى حقائق الأشياء، وبواِطنَها، و ما تنطوي عليه و أبعادها الحقيقية و خلفياتها الغائبة عن معظم الناس، فهذه البصيرة خاصة بالمؤمنين ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلوبهم النور والدليل: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » {الحديد: 28}
أجل، هذه خاصّة بالمؤمن، فإن الله يعطي السكينة أصفياءه المؤمنين بقدر والمؤمن شخصية فذة، و حينما يجاهد نفسه وهواه يأتيه الجواب، وتأتيه ثمرات جهاده، وهي نورٌ في قلبه، وبصيرةٌ نافذة، فقلبٌ واثق بالله عز وجل وكلامٌ سديد، وتفكيرٌ صحيح، وموقفٌ متوازن فهو شخصيةٌ واثقة بالله لا تنهار سريعاً لأنه حصل على هذه الثِمار، وأفاد مما فيها ولذلك فمعرفة الله عز وجل طريقها المُجاهدة، لكن معرفة شرعه أو معرفة خلقه فطريقها المُدارسة، فبين المُدارسة والمُجاهدة بونٌ شاسع والمُدارسة لا تُكلّف كثيراً فقد تحتاج إلى طاولة وكتاب وقلم، وقد تكون أنتَ في واد والكتاب في واد، ولهذا فقد يأخذ الإنسان أعلى الشهادات وهو غارق في أحط الشهوات، أما إذا جاهَدَ نفسه وهواه فقد اصطبغ بِصِبغة الله عز وجل، أي شَعَرَ في نفسه سمواً وعن شهواته تنائِياً وتصعيداً، وفي ميولِهِ شرفاً فتُصبح هذه مقدّسة، وفي تفكيره دقة، وفي كلامه سداداً وفي مواقفه أخلاقاً وشرفاً.
إذاً كل ثمار الدين تأتي من معرفة الله، ومعرفة الله ثمنها المجاهدة فالذي يتمنى أن يعيش هذه الأسماء، لا أن يعرف مدلولاتها وأحكامها وأبعادها ومعانيها الدقيقة بشكل نظري فقط فعليه أن يعيش هذه الأسماء بشكل عملي، وأحياناً المؤمن يرى يد الله تعمل في الخفاء، فكل شيء يشاهده أو كل قصة يسمعها أو كل حادث يراه، إنما يفهمه فهماً من خلال شعوره أن الله يرقبه ويصحبه، وأن الله خالق كل شيء
- إذاً: أردتُ في خِضَمِّ الحديث عن أسماء الله الحسنى أن أقف وقفة قصيرة حول الجدوى التي تُعلَّق عليها الآمال من معرفة أسماء الله الحسنى فالمعلومات النظرية قضية سهلة جداً، فأي إنسان حتى من غير المسلمين بإمكانه أن يقرأ و يحفظ، و يكتب، و يجيب و يأخذ شهادة بهذا الموضوع أما أن تُجاهد نفسك وهواك كي تعقد مع الله صِلة، فهذه الصِلة إذا انعقدت أتاك منها كل خير، ولذلك يقول النبي: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَالصَّلاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ ) انفرد به ابن ماجة
" والصلاة طهور "، " والصلاة حبور " .. أما أنها طَهور، فمستحيل للمصلي أن يحقد أو يتكبر أو يكون ذا أثرة أو يكون مستعلياً، وأنا أقول دائماً: للإعراض عن الله أعراض! ومِنْ أعراض الإعراض التكبر، والعلو والاستكبار والعنجهية والغطرسة وحب الذات، والدناءَة أحياناً وأن تأخذ ما ليس لك، و أن تتمنى أن تكون فوق الناس جميعاً، هذه كلها أعراض الإعراض، فإذا حصل اتصال بالله عز وجل، عُدتَ إلى حجمك الحقيقي، حجم العبودية، وشعرت أن الله عز وجل عليك رقيب وأن الله معك
وفي الحديث الشريف: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الإِيمَانُ قَالَ الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الإِسْلامُ قَالَ الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) متفق عليه
والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا نظر في المرآة يقول: (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي) انفرد به أحمد
فإذاً ليشَكَرَ الإنسان الله عز وجل على أن أعطاه قَواماً ورأساً فيه سمع وبصر وفم ولسان وأنف، وهذا الخَلْقُ السوي الكامل من نِعَمِ الله عز وجل كذلك حتى إذا جاءه مولود ورآه كامل الخِلْقَة فهذا من فضل الله عز وجل أيضاً
وهذا هو معنى المصور، أي جعله صورةً حسنةً، فلو أن الوجه الحسن كما قال عليه الصلاة والسلام رجل لكان رجلاً صالحاً ولو أن الوجه السبئ رجل لكان رجلاً سيئاً
- إذاً: لازِلنا في الحديث عن أن معرفة أسماء الله الحسنى من حيث إنها معلومات فهذا وجه، ومن حيث أن تسعى ؛ لأن تعقد صلة مع الله عز وجل وجه آخر ؛ لأنك عندئذ تعيش هذه الأسماء، وحينما تعيشها تشعر بعظمة هذا الدين، والإنسان وقته ثمين جداً، والعُمر لا يحتمل تجارب كثيرة خاطئة قال عليه الصلاة والسلام لرجل كيف أصبحت يا زيد قال أصبحت أحب الله ورسوله... والحديث طويل: وكأني بأهل الجنة يتنعمون، وبأهل النار يتصايحون، وأصبحت بعرش ربي بارزاً.. قال عبد نَوَّرَ الله قلبه بالإيمان عرفت فالزم.
فالإنسان معنيٌ، أن يرى بعينيه أن هذا الكون من خلق الله وأن الله سبحانه وتعالى ربه، وأنَّ الله سبحانه وتعالى مُسيّره، وأنَّ كل شيء وقع أراده الله وأن الله عز وجل أراده لحكمة بالغة، ولو لم يكن هذا الشيء لكان نقصاً في الحكمة وكان الله سبحانه وتعالى ملوماً من عباده يوم القيامة، قال تعالى: « وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » {القصص: 47}
فأسماء الله الثلاثة الخالق والبارئ والمصور، أسماء متلازمة متآلفة في غايتها تجمع بينها آصرة واحدة هي العلاقة الوشيجة لعملية الخلق خلقاً وبرءاً وتصويراً والمصور ؛ أن الله عز وجل أعطى كل شيء صورته ليس معنى الصورة الشكل الخارجي بل القَوام الكامل: « اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» {غافر: 64} . « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » {التين: 4}
فمعنى التصوير يعني أعطاك الشكل الكامل طولاً وعرضاً وارتفاعاً وعمقاً فالنملة لها صورة، والفيل والحوت والإنسان، وكل مخلوق له صورة والله سبحانه وتعالى هو المصور، يقول الله عز وجل:
« هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » {آل عمران: 6}
وهذا من معاني اسم المصور ؛ وأيضاً فهذا الجنين في بطن أمه حينما تشق عيناه ويشق سمعه، ويُعطى رأسُه حجماً، وجسمه حجماً وله جلد و أعضاء وحركات، فهذا من التصوير، وليس هناك فصل بين الخلق والتصوير إلا فصل نظري، فالخلق والتصوير يَتِمّان في وقت واحد

~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف
التالي : اسم الله تعالى  ** الغفار **


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية