الأربعاء، 8 يونيو 2016

المنــاجـاة العطائيــة

المنــاجـاة العطائيــة
للعارف بالله الإمام الكبير ابن عطاء الله الاسكندري 





إلهي : أنا الفقير في غناي ، فكيف لا أكون فقيراً في فقري.
إلهي : أنا الجاهل في علمي ، فكيف لا أكون جهولاً في جهلي .
إلهي : إن اختلاف تدبرك وسرعة حلول مقاديرك ، منعا عبادك العارفين بك عن السكوت إلى عطائك ، واليأس من بلائك.
إلهي : مني ما يليق بلؤمي ، ومنك ما يليق بكرمك.
إلهي : وصفت نفسك باللطف والرأفة بي قبل وجود ضعفي ، أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي 
إلهي : إن ظهرت المحاسن مني بفضلك ولك المنّة عليً ، وإن ظهرت المساوئ فبعد لك ولك الحجة عليّ.
إلهي : كيف تكلني إلى نفسي وقد توكلت لي ، وكيف أٌضام وأنت الناصر لي ، أم كيف أخيب وأنت الحفي بي.
هاأنا أتوسل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك أم كيف أشكو إليك حالي ، وهو لا يخفى عليك ، أم كيف أترجم لك بمقالي وهو منك برز إليك ، أم كيف تخيب آمالي وهي قد وفدت عليك ، أم كيف لا تحسّن أحوالي وبك قامت وإليك.
إلهي : ما ألطفك بي مع عظيم جهلي ، وما أرحمك بي مع قبيح فعلي.
إلهي : ما أقربك مني ، وما أبعدني عنك.
إلهي : ما أرأفك بي ، فما الذي يحجبني عنك.
إلهي : قد علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار أم أن مرادك أن تتعرف إليّ في كل شيء،حتى لا أجهلك في شيء.
إلهي : كلما أخرسني لؤمي ، أنطقني كرمك ، وكلما آيستني أوصافي أطعمتني منتك.
إلهي : من كانت محاسنه مساوي ، فكيف لا تكون مساويه مساوي . ومن كانت حقائقه دعاوي، فكيف لا تكون دعاويه دعاوي.
إلهي: حكمك النافذ ومشيئتك القاهرة، لم يتركا لذي مقال مقالاً، ولا لذي حال حالاً.
إلهي : كم من طاعة بنيتها ، وحالة شيدتها ، هدم اعتمادي عليها عدلك ، بل أقالني منها فضلك .
إلهي : أنت تعلم وإن لم تدم الطاعة مني فعلاً حزماً ، فقد دامت محبة وعزماً.
إلهي : كيف أعزم وأنت القاهر ، وكيف لا أعزم وأنت الآمر.
إلهي : كيف يُسدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ،أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى نحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك.
إلهي : عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبدٍ لم يجعل له في حبك نصيباً.
إلهي : أمرت بالرجوع إلى الآثار ، فأرجعني إليها بكسوة الأنوار ، وهداية الاستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها ، مصون السّر عن النظر إليها ، ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها ، إنك على كل شيء قدير.
إلهي : هذا ذلي ظاهر بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ،منك أطلب الوصول إليك وبك أستدلّ عليك ، فاهدني بنورك إليك، و أقمني بصدق العبودية بين يديك ، وأجب دعائي بحقك عليَّ.
إلهي : علمني من علمك المخزون ، وصنّي بسر اسمك المصون.
إلهي : حققني  بحقائق أهل العرب ، واسلك بي مسالك أهل الحذب.
إلهي: أغنني بتدبيرك عن تدبيري، وباختيارك لي عن اختياري ، وأوقفني عن مراكز اضطراري.
إلهي : أخرجني من ذل نفسي وطهّرني من شكي قبل حلول رمسي ، بك أستنصر فانصرني ، وعليك أتوكل فلا تكلني ، وإياك أسأل فلا تخيبني ، ومن فضلك أرغب فلا تحرمني ولجانبك أنتسب فلا تبعدني وببابك أقف فلا تطردني.
إلهي : تقدّس رضاك عن أن تكون لك علة منك ، فكيف تكون لك علة مني أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع منك ، فكيف لا تكون غنياً عني.
إلهي : إن القضاء والقدر غلبني وإن الهوى بوثائق الشهوة أسرني فكن أنت النصير لي حتى تبصرني وتنصر بي ، وأغنني بفضلك حتى أستغني بك عن طلبي إليك مهربي.
أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار من قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجؤوا إلى غيرك ، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هويتهم حتى استبانت المعالم.
ماذا وجد من فقدك ؟ وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من رضي دونك بديلاً، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً.
إلهي : كيف يرجى سواك، وأنت ما قطعت الإحسان ، وكيف يطلب من غيرك ، وأنت ما بدّلت عادة الامتنان.
يا من أذاق أحباءه حلاوة مؤانسته ، فقاموا بين يديه متحلقين ، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته ، فقاموا بعزته مستغفرين ، أنت الذاكر قبل الذاكرين وأنت البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين ، وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين ، وأنت الوهّاب ، ثمّ أنت لمّا وهبتنا من المستقرضين .
إلهي : اطلبني برحمتك، حتى أصل إليك واجذبني بمننك، حتى أُقبل عليك.
إلهي : إن رجائي لا ينقطع عنك ، وإن عصيتك كما أن خوفي لا يزايلني، وإن أطعتك .
إلهي : قد دفعتني العوالم إليك ، وقد أوقفني علمي بكرمك عليك .
إلهي : كيف أخيب وأنت أملي، أم كيف أهان، وعليك متكلي .
إلهي : كيف أستعز وأنت في الذلة أركزتني، أم كيف لا أستعز وإليك نسبتني أم كيف لا أفتقر، وأنت الذي في الفقر أقمتني، أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني .
أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكل شيء، فما جهلك شيء وأنت الذي تعرّفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء، فأنت الظاهر لكل شيء.
يا من استوى برحمانيته على عرشه، فصار العرش غيباً في رحمانيته ، كما صارت العوالم غيباً في عرشه، محقت الآثار، وحوت الأغيار، يمحيطات أملاك الأنوار ، يا من احتجب في سرادقات عزه، عن أن تدركه الأبصار، يامن تجلّى بكمال بهائه، فتحققت عظمة الأسرار .
كيف تخفى وأنت الظاهر ؟
أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر ؟؟

المصدر: من كتاب  " الحب بين العبد والرّب" - أحمد نصيب المحاميد                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية