استقبال
شهر رمضان المبارك
حين بزوغ فجر شهر رمضان المبارك تنفرج الوجوه وتهفو الأرواح وتسعد القلوب..فلنحرص ألا نفرّط في موسم طاعة أتى ولنغتنم أجره وثوابه ولنُحسن استقباله والإعداد لأيامه وأن نكون من السابقين فيه، ومن المتنافسين قال الله تعالى: « وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ » {المطففين: 26}
فكيف نستقبل شـهر رمضـان ..
الخطوة الأولى:
الدّعاء لبلوغ شهر رمضان
أهم استعداد لرمضان
هو الشّوق لنفحاته الدينية، والتطلع لنسماته الرّوحية. لذلك يُستحسَن للمسلم أن
يسأل الله تعالى أن يبلغه رمضان وهو في صحة وعافية. حتى ينشط في عبادته من صيام
وقيام وذكر، فقد روي عن
النبيّ صلّى الله عليه وسلم قوله: [
الَّلهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبَ وَشَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَان
]
. فإذا دخل رمضان دعا المسلم ربه أن يُدخِله عليه وعلى الأمة الإسلامية بالأمن والأمان، وأن يوفقه لصيامه وقيامه
ويجعله مغفرة لذنوبه وآثامه.
فإذا أهَلَّ هلال رمضان فادع الله، وقل: [
الله أكبر، الّلهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما
تحب وترضى، ربي وربك الله ]
الخطوة الثانية: الحمد والشكر على بلوغ رمضان
إذا دخل رمضان على
المسلم وهو حي يرزق، فتلك منحة كبيرة وخير وفير. فإذا وُفِّقَ العبد لصيامه وقيامه
وطاعة الله فيه كما ينبغي، فتلك نعمة عظيمة وهبة كريمة تستحق الشكر والثناء، وتستوجب الاعتراف بكرم الله
وفضله. قال النووي -رحمه الله- في كتاب الأذكار: اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة
ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة؛ أن يسجد شكرًا لله تعالى، أو يثني بما هو أهله. وإن من أكبر نعم الله على العبد
توفيقه للطاعة والعبادة، فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة
عظيمة، تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها. فالحمد لله حمدًا كثيرًا
كما ينبغي لجلال وجهه،
وعظيم سلطانه.
الخطوة الثالثة: الفرح والابتهاج
رمضان هو شهر
الخيرات وموسم الرحمات، فيه يزداد الأجر وتضاعف الحسنات. لذلك، من الطبيعي أن يفرح
المسلم لإطلالة هذا الشهر العظيم، ويبتهج لمقدم هذه المناسبة العطرة. مصداقا لقوله
تعالى:
«
قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»
{يونس:58}. فالمسلم الحقيقي هو الذي يفرح بطاعة الله ويبتهج بعبادته، ويسعد بفضل
الله عليه أن مَدَّ في عمره وبلَّغَه هذا الشهر الكريم، وقد ثبت عن رسول
الله أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول: [ جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك،
كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم ]. أخرجه
أحمد وقال الألباني:صحيح
الخطوة الرابعة:
العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان
رمضان بمثابة ورشة
تدريب سنوية يُقَوِّي بها المسلم إيمانه، ويعزز بها تقواه، ويتعلم منها الصبر على الطاعة، والابتعاد عن المعصية، والإقبال على الله في كل وقت وحين. لذلك ينصح المسلم
بالتخطيط المسبق للاستفادة من
فضائل رمضان، وتحقيق أقصى المكاسب الروحية فيه عبر برنامج يومي ينظم من خلاله
مواقيت الطاعات والعبادات، ويعاهد نفسه على الالتزام بها والسير عليها طيلة الشهر الكريم كي تنشط همته، وتقوى
عزيمته، ويثبت الأجر بإذن الله.
الخطوة الخامسة: العلم بأحكام رمضان
معرفة الأشياء خير
من جهلها، والمسلم الحق هو الذي يعبد الله عن علم ومعرفة ويقين، ولا يُعذر بجهل
الفرائض التي فرضها الله على العباد، ومن ذلك صوم رمضان . لذلك يجب على المؤمن أن يستقبل رمضان ويستعد له
بمعرفة شروطه و أحكامه وموانعه وغيرها من المسائل الفقهية المتعلقة به، حتى لا يخطئ
في جنب الله وهو غافل، أو يعصيه من حيث لا يدري. فمصادر العلم في زمننا كثيرة وينابيعه في عصرنا غزيرة. وقد
أوصانا الحق تعالى بالتفقه في أمور ديننا فقال:
«
فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
»
{النحل: 43}
الخطوة السادسة: التوبة الصادقة
لأننا بشرٌ، تارةً
نخطئ وتارةً نصيب .. فالمسلم مهما بلغت درجات إيمانه معرض للخطأ، والمؤمن مهما وصلت
درجات تقواه قابل لِلزَّلَلِ. ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه يصفح عنهم ويغفر لهم
ولا يؤاخذهم بأخطائهم إن اعترفوا
بها وندموا عليها. لذلك، يتعين على المسلم أن يستقبل رمضان وكله عزم على ترك الآثام
والسيئات، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها كي يتوب الله عليه، فرمضان هو شهر
التوبة، فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟ فيخرج منه نقيا طاهرا كيوم ولدته أمه. قال الله
تعالى:
«
وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
{النور: 31}
الخطوة السابعة: نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة
مادام في الجسد
نَفَسٌ فالفرصة قائمة، وما دام في القلب روح فالأوان لم يَفُتْ. لذلك على المسلم أن لا يتضايق من أخطاء الماضي، وأن لا يحزن على سقطات الأمس. فالأخطاء تلقن لمرتكبها
درس النجاح، والسقطات تعلم صاحبها فن النهوض. لذلك، على المسلم أن يستغل نفحات شهر
رمضان لبدء صفحة جديدة طاهرة ونقية مع الله أولا بالتوبة الصادقة ، ومع نفسه ثانيا،
ومع أهله من والدين وأقارب وأرحام بالبر والصلة، ومع المجتمع الذي يعيش فيه حتى
يكون عبدًا صالحًا ونافعًا، قال صلّى الله عليه وسلّم: [
أفضل الناس أنفعهم للناس ] رواه
الطبراني
هكذا
يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر، واستقبال المريض للطبيب المداوي، واستقبال الحبيب للغائب المنتظر.
فالّلهم بلّغنا رمضان، وتقبّله منا، إنك أنت السميع العليم. وآخر دعوانا أن الحمد
لله رب العالمين.
· · · · ·
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق