الأحد، 26 يونيو 2016

لا تحزن (5)

لا تحــــزن 
(5) 



• فنّ السّرور .. 
• من أعظمِ النعمِ سرورُ القلبِ ، واستقرارُه وهدوؤُهُ ، فإنَّ في سرورهِ ثباتُ الذهنِ وجودةِ الإنتاجِ وابتهاجِ النفسِ ، وقالوا. إنّ السرورَ فنٌّ يُدرَّسُ فمنْ عرفَ كيفَ يجلبُه ويحصلُ عليه ، ويحظى به استفادَ من مباهجِ الحياةِ ومسارِ العيشِوالنعمِ التي من بينِ يديْه ومن خلفِه. والأصلُ الأصيلُ في طلبِ السرورِ قوةُ الاحتمالِ فلا يهتزُّ من الزوابعِ ولا يتحرَّكُ للحوادثِ ولا ينزعجُ للتوافِهِ وبحسبِ قوةِ القلبِ وصفائِهِ ، تُشرقُ النَّفْسُ . إن خَوَرَ الطبيعةِ وضَعْفَ المقاومةِ وجَزَعَ النفسِ ، رواحلُ للهمومِ والغمومِ والأحزانِ ، فمنْ عوَّد نفسَه التصبُّر والتجلُّدَ هانتْ عليه المزعجاتُ ، وخفَّتْ عليهِ الأزماتُ ومن أعداءِ السرورِ ضيِقُ الأُفُقِ ، وضحالَةَ النظرةِ ، والاهتمامُ بالنفس فَحَسْبُ ونسيانُ العالمِ وما فيه. إنَّ عليَّ وعليكَ أنْ نَتَشَاغَلَ عن أنفسِنَا أحياناً ، ونبتعد عن ذواتِنا أزماناً لِنَنْسَى جراحَنا وغمومَنا وأحزانَنا فنكسبَ أمرْين : إسعادَ أنفسنا، وإسعادَ الآخرين
• ومن الأصولِ في فنِّ السّرورِ : أن تُلجمَ تفكيرَكَ وتعصمه ، فلا يتفلَّتُ ولا يهربُ ولا يطيشُ فإنك إنْ تركتَ تفكيرَكَ وشأنَهُ جَمَحَ وطَفَحَ وأعادَ عليكَ مَلفَّ الأحزانِ وقرأَ عليكَ كتابَ المآسي منذُ ولدتْكَ أمُّك 
إنَّ التفكيرَ إذا شردَ أعادَ لك الماضي الجريحَ وجرجَرَ المستقبلَ المخيفَ فزلزلَ أركانَك ، وهزّ كيانَك وأحرقَ مشاعرَك فاخطمْه بخطامِ التوجُّهِ الجادِّ  المركّزِ على العملِ المثمرِ المفيدِ « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ » ومن الأصول أيضاً في دراسةِ السرورِ : أنْ تُعطيَ الحياةَ قيمتَها وأنْ تُنزلَهَا منزلتها فهي لهْوٌ ، ولا تستحقُّ منكَ إلا الإعراضَ والصدودَ
  
• نعمة المعرفة .. 
« وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً » الجهلُ موتٌ للضميرِ وذَبْحٌ للحياةِ ، ومَحْقٌ للعمرِ
« إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ » والعلمُ نورٌ البصيرة ، وحياةٌ للروحِ ، ووَقُودٌ للطبعِ
« أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا »
إنَّ السرورَ والانشراحَ يأتي معَ العلم ، لأنّ العلمَ عثورٌ على الغامضِ ، وحصولٌ على الضَّالَّة ، واكتشافٌ للمستورِ ، والنفسُ مُولَعةٌ بمعرفةِ الجديدِ والاطلاعِ على المُسْتَطْرَفِ . أمَّا الجهلُ فهوَ مَلَلٌ وحُزْنٌ ، لأنه حياةٌ لا جديدَ فيها ولا طريفَ ، و لا مستعذَباً أمسِ كاليومِ ، واليومَ كالغدِ. فإنْ كنتَ تريدُ السعادةَ فاطلبِ العلمَ وابحثْ عن المعرفةِ وحصِّل الفوائدَ لتذهبَ عنكَ الغموم والهمومُ والأحزانُ « وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً »، « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ »

• اطردِ المَلَلَ مِنْ حياتِكَ .. 
إن مَنْ يعِشْ عمرَهُ على وتيرةٍ واحدة جديرٌ أن يصيَبهُ المللُ ؛ لأن النفس ملولةٌ ، فإنَّ الإنسانَ بطبعهِ يَمَلُّ الحالةَ الواحدةَ ؛ ولذلكَ غايَرَ سبحانَهُ وتعالى بين الأزمنةِ والأمكنةِ ، والمطعوماتِ والمشروباتِ، والمخلوقاتِ ، ليلٌ ونهارٌ ، وسهلٌ وجَبَلٌ ، وأبيضُ وأسودُ ، وحارٌّ وباردٌ ، وظلٌّ وحَرُور وحُلْوٌ وحامضٌ ، وقدْ ذكر اللهُ هذا التنُّوعَ والاختلافَ في كتابِهِ : « يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ » ، « وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا »
ومن يتأمَّلِ العباداتِ ، يَجِدْ التنوُّعَ والجدَّةَ ، فأعمالٌ قلبيَّةٌ وقوليةٌ وعمليةٌ وماليةٌ فمنْ أراد الارتياح والنشاط ومواصلةَ العطاءِ فعليهِ بالتنويعِ في عملِهِ واطلاعِهِ وحياتِهِ اليوميَّةِ ، يوزِّع وقته ما بين عبادةٍ وتناولِ مباحٍ ، وزيادةٍ واستقبالِ ضيوفٍ ، ورياضةٍ ونزهةٍ ، فسوفَ يجدُ نفسَهُ متوثِّبةً مشرقةً لأنها تحبُّ التنويعَ وتستملحُ الجديدَ

• افرح بتوبة الله عليك .. 
ألا يُشرحُ صدركَ ، ويزيلُ همَّك وغمَّك ، ويجلبُ سعادتك قولُ ربِّك جلَّ في علاه : « قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »
فخاطَبَهُمْ بـ «يا عبادي» تأليفاً لقلوبِهِمْ ، وتأنيساً لأرواحِهِمْ ، وخصَّ الذين أسرفُوا ، لأنهمُ المكثرون من الذنوبِ والخطايا فكيف بغيرِهم ؟! ونهاهْم عنِ القنوطِ واليأسِ من المغفرةِ وأخبر أنه يغفرُ الذنوب كلَّها لمنْ تاب ألا تسعدُ وتفرحُ بقولِهِ جلَّ في علاه: « وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » ؟!
وقولِهِ جلَّ في علاه : « وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً »؟! والمعنى : ما دام أنهُ يتوبُ ويستغفرُ ويندمُ ، فإنّي أغفرُ له
 
• انتظرِ الفرَج .. في الحديثِ عند الترمذيِّ : ( أفضلُ العبادةِ : انتظارُ الفَرَجِ )  « أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ » صُبْحُ المهمومين والمغمومين لاحَ ..  فانظرْ إلى الصباحِ .. وارتقبِ الفَتْحَ من الفتَّاحِ
تقولُ العربُ : إذا اشتدَّ الحبلُ انقطع . والمعنى : إذا تأزَّمتِ الأمورُ ، فانتظرْ فرجاً ومخرجاً
وقالَ سبحانَهُ وتعالى : « وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً »
وقالَ جلَّ شأنُه: « وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً »
« وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً »  وقولهُ سبحانَهُ :« فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»
قال بعضُ المفسرين – وبعضُهُم يجعلُهُ حديثاً - : ( لنْ يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن ) وقال سبحانهُ : « لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً »
وقالَ جلَّ اسمُه: « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ » ..  « إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ »
وفي الحديثِ الصحيح : ( واعلمْ أنَّ النصْرَ مع الصَّبْرِ ، وأن الفَرَجَ مَعَ الكُرْبِ )
  
~ من كتاب لا تحزن .. للدكتور عائض القرني بتصرّف

• • • 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية