الثلاثاء، 28 يونيو 2016

موسوعة أسماء الله الحسنى (الفتّاح)


هو الله الّذي لا إله إلا هو ** الفتّاح **



- الفتّاح على وزن فعَّال، وصيغة فعّال من صيغ مبالغة اسم الفاعل وحينما يصاغ اسم الله عز وجل الفتاح أو أي اسم آخر، حينما يصاغ صياغة مبالغة فالمعنى أن الله عز وجل يفتح كل الأبواب أو يفتح ما استعصى من الأبواب إما مبالغة تكثير أو مبالغة نوع قد يستعصي باب.
إذاً فتاح صيغة مبالغة اسم الفاعل الفاتح، الفاتح والفتاح، يفتح ما أغلق من الأبواب أو ما استعصى من الأبواب، أو يفتح كل باب، قال الله تعالى: « مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » {فاطر:2}
يفتح رحمته، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، يعني إذا أمسك ليس في الأرض كلها قوة تستطيع أن تفتح، وإذا فتح ليس في الأرض كلها قوة تستطيع أن تغلق، قوى الأرض مجتمعةً ليس في إمكانها أن تفتح ما أغلقه الله ولا أن تغلق ما يفتحه الله. 
إذاً الأمر بيد الله وحده، وإذا أيقنت أن الأمر بيد الله وحده لا بد من أن تتجه إليه، هذه الآية تترك صدىً طيباً جداً في نفس المؤمن، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مرسل لها، إن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق وهو النبي الرسول الذي يوحى إليه، وهو أكرم الخلق على الله قال الله تعالى قل لهم يا محمد: لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فلأن لا يملك لنفسه فلغيره من باب أولى، الله هو الفتاح
- الفتاح له معنى آخر مستنبط من قوله تعالى: « قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ » {الأعراف:89}
أحياناً الأمور تشتبك، قوى تتصارع، فلان يدَّعي أنه على حق فلان يكيل التُّهم للآخرين بغير حساب، الآخرون يكيلون له الصاع صاعين، ترى الحياة صراعات تبادل تهم، فمن هو الَحَكم ؟ من عنده قول الحق؟ من الذي يعرف حقيقة الإنسان بالضبط هو الله عز وجل، فمعنى الفَتْح هنا معنى آخر معنى الحُكْم « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا » .. يعني كلٌّ يدعي أنه على حق، كلٌّ يكيل للطرف الآخر التُّهم، هو مؤمن والآخرون كفار، هو مستقيم والآخرون منحرفون، هو قريب والآخرون ضالون، هذا على مستوى دين واحد، فكل دين يتهم الأديان الأخرى بأنها أديان ليست من عند الله، أو أديان منحرفة، واللا دينيين يتهمون أصحاب الأديان بالتخريف والغيبية والضعف، الدينيون يتهمون غير الدينين بأنهم كذا وكذا
فمن هو الحَكَم، من هو الذي له الكلمة الفاصلة، من هو الذي يقول أنتم على حق وأنتم على ضلال، الله عز وجل هو الفتاح، هذا المعنى الثاني مستنبط من قوله تعالى: « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ »
إذا آمنت أن الله وهو الفتاح هو الحكم هو الذي يرفع ويخفض هو الذي يكشف الحقائق هو الذي يُجَلي الأمور، هو الذي يزيل الالتباس هو الله عز وجل، إذا آمنت بأنه هو الفتاح فلا تقلق، ولو أن الناس أساؤوا فهمَك، لو أن الناس أساؤوا الظن بك، لو أنهم اتهموك تهم باطلة لأسباب تافهة لا تخف من عرف نفسه ما ضرَّته مقالة الناس فيه
المعنى الأول: « مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ »
الأبواب المغلقة كثيرة، يقال لك، الأبواب كلها مغلقة، الطرق كلها غير سالكة،من هو الفتاح هو الذي يفتح لك الأبواب المغلقة أو الأبواب المستعصية، أو الأبواب الكثيرة، وحينما يَطْهُر الإنسان حينما تصبح سريرته سليمة، حينما يستحق الإكرام تأتيه الدنيا وهي راغمة ، " أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه، الحديث القدسي معروف: (خلقت لك السماوت والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلّطنَّ عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً )
إذا كنت في المستوى الذي يستحق الإكرام، إذا سرت في موجبات رحمة الله عز وجل تأتيك الدنيا وهي راغمة لذلك هذا الحديث الذي لا أنساه، قال عليه الصلاة والسلام: (قَالَ خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا لِشَيْءٍ سَأَلَ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ )
ما تعلق أحد بحب الدنيا إلا أُصيب منها بثلاث، شغل لا ينفكُّ عناه، وأمل لا يُدرَك منتهاه وفقر لا يُدرك غناه، لكن المؤمن قال الله تعالى: « وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير » {هود:3}
الآن ما علاقتك بهذا الاسم، هذه الآية: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ » {الأنعام:59}
إذا فهمتها كما أراد الله عز وجل، فلو أنه قال ومفاتح الغيب عنده، هل حدث شيء، هو قال وعنده مفاتح الغيب، هل يستفاد معنى دقيق جداً من تقديم عنده، لو قال ومفاتح الغيب عنده فقد تكون عند غيره أيضاً، أما إذا قال: « وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ »
فالتقديم فيه قصر، فالغيب لا يعلمه إلا الله، وعنده مفاتح الغيب. هناك تفسيرات إلهية، نحن نفهم التفسيرات الأرضية، على أنه صراع حرب أهلية، مشكلة عربية، دولية ولكن هناك فهماً دينياً آخر، قال الله تعالى: « وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» {النحل:112}.
كلمة فتح باللغة تعني أن هناك شيء مغلق، فهل تقول لإنسان افتح هذا الباب وهو مفتوح، كلمة ليس لها معنى، فأنت لا تقول افتح إلا لما هو مغلق، كل شيء أُغلق في وجهك يجب أن تذكر اسم الفتاح . إذاً كلمة فتح معناه هناك شيء مغلق، وفاتح اسم فاعل، فتاح صيغة مبالغة لاسم الفاعل، صيغة مبالغة لِلْكَم والعدد، للكم والنوع، فقضية مستعصية جداً تدعو بيا فتاح يا عليم، أبواب كثيرة، يا فتاح يا عليم. ومنه قوله تعالى: « فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ » {القمر:11}
معناها أن السماء مغلقة ومفتاحها بيد الله عز وجل، والفتح في الحرب الظفر.
من معاني الفتاح، هو الحاكم بين الخلق، لأنه كلما استغلق أمر خلافي بينهم يفتحه الله عز وجل.
و هناك فتح لكبار المؤمنين، أي أن المؤمن أحياناً يفتح الله عليه يلقي في قلبه نوراً، يلقي في قلبه معرفة، يسميها بعض العلماء الكشف، يكشف الله عن بصيرته، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، يسميها علماء آخرون الإراءة، قال الله تعالى: « وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » {الأنعام:75}
يرى أن الاستقامة في الحياة هي سبب الكرامة، هذه رؤيا، بعض الناس يكذب ويغش ويخدع، ويظن نفسه ذكياً، لأنه أعمى القلب، فما هو الفتح بالمعنى الجديد ؟ الفتح أن يفتح الله على بصيرتك، أن يكشف الله على بصيرتك، أن يجعل بصيرتك صافيةً ترى بها الخير خيراً والشر شراً.
إذا بعض العلماء قالوا: " الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته، وفتح على العاصين أبواب مغفرته، فإن كان عاصياً فالله عز وجل يفتح له باب المغفرة، وإن كان مؤمناً يفتح له باب معرفته ".
أنت إذا سألت نفسك قبل خمس سنوات هل أنت في نفس المستوى أم شعرت أن لك رؤية جديدة لك بصيرة نافذة، لك إدراك أعمق، لك قيم أمتن.
هذا هو الفتح، كلما كشف لك بعض الحقائق فتح عليك، إلى أن يفتح عليك الفتح المبين الذي لا معصية بعده.
المؤمن يتفاوت مع المؤمن باليقظة والغفلة، فهناك مؤمن أغلب وقته في غفلة، مؤمن بالله ولكن في غفلة، أما المؤمن الأرقى، أكثر وقته مع الله عز وجل، دائماً يدعوه، يستعيذ به يرجوه، يهتدي بهديه يستلهمه، والله عز وجل يتجلى على قلبه، يلقي في قلبه نوراً يلقي في قلبه معرفةً، هذا معنى الفتح.
فالفتح يستخدمه العلماء كثيراً، " فتح الله عليك، جاءه الفتح « إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ » {النصر:1}
الله عز وجل فتح للنبي مكة المكرمة، فتح له دخل الناس في دين الله أفواجاً.
إذاً الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته وفتح على العاصين أبواب مغفرته، وقيل الفتاح الذي يعينك في الشدائد وينيلك وجوه الزوائد. يعينك في الشدة وفي الرخاء يرفعك، يعطيك عطاءاً زائداً، إذا هو فتاح.
بعضهم قال الفتاح هو الذي يفتح أبواب الخير على عباده، ويسهل عليهم ما كان صعباً، هذا الفتح يكون تارة في أمور الدين
إذاً الله هو الفتاح، يفتح عليك أبواب العلم، يفتح عليك أبواب لسانك بالحكمة، فإذا أخلصت لله أنطق الله لسانك بالحكمة، أول أنواع الفتح يفتح عليك في أمور الدين وهو العلم، ويفتح عليك في أمور الدنيا، تكون فقيراً فيغنيك، تكون ضعيفاً فيقويك، تكون مظلوماً فينصرك على أعدائك، تكون مكروباً فيزيل هذه الكربة ويحل محلها الفرحة، لذلك فالإنسان إذا كان بعيداً عن الله عز وجل لا يمكن أن يسعد، قال الله تعالى: « وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» {طه:124}
ماذا يعني فتاح، يفتح لك باب الأنس به، يفتح لك باب الإقبال عليه يفتح لك باب الرضوان، يفتح على قلبك باب الرضى يفتح لك باب الدين بفتح العلم على قلبك، أو يفتح لك باب الدنيا إن كنت فقيراً يفتح لك باب الغنى، إن كنت ضعيفاً يفتح عليك باب القوة إن كنت مريضاً يفتح عليك باب الصحة، إن كنت مكروباً يفتح عليك باب الفرحة.
قال بعض الشعراء: يا فاتحاً لي كل باب مرتَجِ، "المرتج أي المغلق " الله عز وجل يفتح الأبواب المغلقة يفتح الأبواب المرتجة.
يا فاتحاً لي كلَ بابٍ مرتجٍ إني لعفوٍ منك عني مرتج فامنن عليَ بما يفيد سعادتي
- قيل الفتاح هو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه، يجب أن تعلم أن في القرآن آية واحدة لا ثاني لها، وهي قوله تعالى: « وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » {هود:88}
قال بعض العلماء " لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بتوفيق الله تعالى لن يقع شيء إلا بأمر الله.
علاقتك بهذا الاسم أن تسعى أن جاهداً كي يفتح الله على قلبك باب العلم، والشيء الثاني أن تفتح أنت على العباد باب خيراتك، لا تكن قابضاً فكن باسطاً 

~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف
التالي : اسم الله تعالى  ** العليم **


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية