الأحد، 10 أبريل 2016

موسوعة أسماء الله الحسنى ( القدوس )

هو الله الّذي لا إله إلا هو ** القّـدوس **..





 ورد هذا الاسم في آيتين قرآنيتين ورد في قوله تعالى:  « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ » {الحشر: 23 }
وورد في قوله تعالى: 
« يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » {الجمعة: 1 }

-
القُدُّوس: على وزن فُعُّول، وهو من القدس، والقُدُس: الطهارة والتقديس هو التطهير، والأرض المقدسة: الأرض المطهرة، وسُميت الجنة حظيرة القُدُس، لأنها مطهرة من آفات الدنيا، وسُمي سيدنا جبريل روح القدس لأنه طاهر من العيوب في تبليغ الوحي وفي قوله تعالى حكايةً عن الملائكة:  
« وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ »، فما معنى ونقدس لك ؟: يعني يا رب نحن نطهر أنفسنا ونقدسها كي نكون أهلاً للإقبال عليك، وهذه مهمة الإنسان في الدنيا يجب أن يقدس نفسه كي ينال مقعد صدق عند مليك مقتدر
* هل تصدقون أن مهمة الإنسان في الدنيا ؛ أن يطهر نفسه كي تغدو مؤهلة لتكون في جوار الله
في الجنة، لأن الله طيب، ولا يقبل إلاّ طيباً. 
" عبدي طهَّرت منظر الخلق سنين"، والقلب منظر الربّ يجب أن يكون شغلك الشاغل أن تطهِّر
نفسك؛ كي يُسمح لك أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة، وحَسُنَ
أولئك رفيقاً.
- أن القدُّوس هو المنزَّه عن كل وصف، من أوصاف الكمال، هنا المشكلة؟
وجواب هذا الكلام أن الإنسان حينما أدرك ذاته، رأى في نفسه كمالات ونواقص العلم كمال، الحلم كمال، الصبر كمال، السمع، البصر، الإرادة ، الحياة هذه كمالات.. الجهل نقص، العمى نقص،
الصمم نقص، الخرس نقص ،اللؤم نقص، الحقد نقص، الضجر نقص.. الإنسان رأى أن هناك كمالات
وهناك نواقص، فلما أراد أن يثني على الله عز وجل نسب إلى الله عز وجل الكمالات التي يعرفها
هو إنّ الله سبحانه وتعالى القدُّوسٌ منزه عن الكمالات التي يتصورها الإنسان من عنده، كل ما
خطر ببالك عن الله بخلاف ذلك ، قال تعالى« فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » {الشورى: 11 }
- لذلك لما أراد الإنسانُ أن يثني على الله عز وجل فقد أثنى عليه بصفات الكمالات البشرية، قال: الله سبحانه وتعالى قدوس منزه عن كل وصف من صفات الكمال البشري، هو أعظم من ذلك، هو منزه عن صفات كمال الناس
ومن باب أولى منزه عن صفات النقائص، بل إنه منزه عن كل صفة تُتصور للخلق، كل شيء تصوره الإنسان عن الله عز وجل فهو منزه عن هذه الصفات.
-
الآن مرحلة أخرى القدُّوس هو المنزّه عن كل وصف يدركه الحس عن كل تصور يتصوره الخيال، أو يسبق إليه الوهم، أو يختلج به الضّمير، أو يقضي به التّفكير.. أمّا أن تقول منزّه عن العيوب والنّقائص، فإنّ هذا يقترب من باب قلّة الأدب مع الله عزّ وجل أو من باب ترك الأدب.
قاعدة: إنّ نفي الشيء أحد فروع تصوره، إذا نفيت عن جهة نقيصةً، إذاً بالإمكان أن تقع منه هذه النقيصة، نفي الشيء أحد فروع تصوّره، إذن من ترك الأدب أن تقول: الله سبحانه وتعالى منزّه عن النقائص، منزّه عن العيوب، هذا من ترك الأدب.
-
ومن تعريفات اسم القدُّوس أن القدوس من تقدست عن الحاجات ذاته
أمّا أنت فمحتاج، أنت فقير، كل شخصيتك، وعلمك وذكائك وقوة هيمنتك على الناس، وجلدك، وعلمك، كل هذه الصفات تتلاشى أمام شربة ماء
إذاً فالإنسان ضعيف، مفتقر إلى الهواء، مفتقر للماء، مفتقر للخبز مفتقر إلى الأهل، مفتقر لمن يؤنسه، مفتقر لمن يحبه، أنت فقير في الأصل .
قال تعالى: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » فاطر: 15 }
- القُدُّوس: من تقدست عن الحاجات ذاته، صمد، وتنزهت عن الآفات صفاته.
-
والقدُّوس من تقدس عن مكان يحويه، وعن زمان يبليه، وهو عزيز لا يرتقي إلى تصويره وَهْمّ، ولايطمع في جواز تقديره فَهْم، ولا تنبسط في ملكه يد من دون تقدير.
-
هو قدُّوس في ذاته، لكنَّهُ يقدّس عباده الطائعين. فلان مقدس،
المقدس هو الطاهر، تقديس بلا طهارة كلام فارغ، فلان مقدس يعني مستقيم، يعني عفيف، يعني طاهر يعني سليم الصدر نواياه طيبة، ليس في قلبه غلٌّ، ولا حقد، ولا غشٌّ ولا تخونه عينه، ولا يسبقه لسانه، ولا يعطي أذنه للكلام غير المقبول لا يُقدس الإنسان  إلاّ إذا تنزه عن النقائص.
-
القدُّوس من قدس نفوس الأبرار عن المعاصي، وأخذ الأشرار بالنواصي
-
القدُّوس من قدس قلوب أوليائه ؛ يعني كل إنسان له قلب صنوبري 
لا أعتقد أن إنساناً على وجه الأرض ما له قلب، لكنْ هناك قلب كالجوهر وقلب كالحجر
« وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ »  {الأعراف: 179 }
لكنِ الإنسانَ كلما اقترب من الله عز وجل، صار ذا قلبٍ كبير، ذا قلب صافٍ قلبٍ ممتلئ حباً لله عز وجل
-
القدُّوس من قدس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات الإنسان مستهلَك، طعامه، وشرابه، وبيته، وأولاده، ورزقه، ودكانه ومتجره، ومعمله ووظيفته، ومكانته وصحته، وقلبه، وشرايينه ومعمله.. مستهلَك، هموم الدنيا تستهلكه، لكن قلب العابد مُستَهلِك وليس مستَهلَكاً، يستهلك الدنيا بمعرفة الله، ولا يسمح لها أن تستهلكه المؤمن يقود هواه ولا ينقاد له المؤمن يسيطر على نفسه، ولا يسمح لها بالسيطرة عليه، المؤمن يحتكم إلى القيم، ويحكمها، ولا يسخرها ولا يسخر منها، المؤمن له مرتبة أخلاقية لا يهبط عنها، وله مرتبة علمية لا يزيغ عنها، وله مرتبة جمالية، هكذا المؤمن شخصية فذة
-
القدُّوس من طهَّر نفوس العابدين بإبعادهم عن دنس المخالفات واتباع الشهوات، والقدُّوس من طهّر قلوب الزاهدين من حب الدنيا والقدُّوس من طهّر قلوب العارفين مما سواه.. طهر قلوب العابدين وطهّر قلوب الزاهدين وطهر قلوب العارفين. فالعابدون متصفون بطاعة الله، مقبلون على عبادته، متحرِّقون إلى الإقبال عليه. والزاهدون مقيمون على الاكتفاء بوعد الله معرضون عما يوجب التهمة من ضمان الله. 
إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك مِمّا في يديك. و إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ربنا عز وجل 
-
وبعد، فكيف نقيم علاقتنا بهذا الاسم ؟ مَن عرف هذا الاسم طهّر نفسه عن متابعة الشهوات، وطهر ماله عن الحرام والشبهات، ومن عرف هذا الاسم طهر وقته عن دنس المخالفات.. احرص على أن يراك حيث أمرك وأن يفقدك حيث نهاك 
-
من عرف هذا الاسم طهر وقته عن دنس المخالفات، وطهر قلبه عن مسلك الغفلات، طهر روحه عن فتور المساكنات.
-
الذي عرف اسم القدُّوس كيف يتذلل لمخلوق بهذه النفس التي تقدست بمعرفة الله عز وجل ؟ مستحيل أن يُذلّ نفسه إلاّ لله سبحانه 
وهذا الذي عرف اسم القدوس لا يعظم مخلوقاً بالقلب الذي به شهده..  هذا القلب عظم الله عز وجل أن يعظم مع الله أحداً ؟ مستحيل إلا أن يعظم أولياءه، لأن المؤدى واحد.
-
و من آداب من عرف هذا الاسم، أن تسمو همته إلى أن يطهره الله من كل عيوبه، وأن يطهره عن دنس كل عاهاته، في جميع حالاته ويطهر قلبه من كل كدراته، وأن يرجع إلى الله تعالى بحسن الاستجابة في جميع أوقاته. فإن من طهَّر لسانه عن الغِيبة، طهَّر الله قلبه عن الغيبْة عنه ويصبح قريباً منه، ومن طهَّر لله طرفه عن النظر بالريبة، طهَّر الله سرَّه عن الحجاب
إذا الإنسان حجب بصره عن المحرمات، يكشف الله عن بصيرته فإذا أطلق بصره حجب عن بصيرته.وإذا طهر لسانه عن اغتياب الناس، يقربه الله إليه
-
يعني نطهِّر أنفسنا كي نستحق أن نكون معك يا ربّ، في جنتك مع أوليائك، مع المؤمنين، مع الأنبياء مع الصديقين، مع الشهداء، مع الصالحين
-
إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق وقوةً في البدن، ومحبة في قلوب الخلق..
-
آخر نصيحة، اتق الله باجتناب المحرَّمات تكن من التوابين، وتورَّع عن اقتحام الشبهات تكنْ من المتطهرين، وازهد فيما زاد عن قدر الضرورة تنجو من الحساب الطويل، وأقبل على خدمة مولاك تنل الثواب الجزيل..
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً.


~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف 


• •  • •  • •  • • 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية