الاثنين، 7 مارس 2016

الحكم العطائية ( الحكم 1- 10)


الحكم العطائية ( الحكم 1-10) ابن عطـاء الله السّـكندري


• •  الحكمة الأولى : «  من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرّجاء عند وجود الزّلل  «
يقول ابن عطاء الله: إيّاك أن تعتمد في رضا الله عنك و في الجزاء الذي وعدك على عمل قد فعلته، بل اعتمد على لطف الله و فضله و كرمه..

• • الحكمة الثانية: « إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، و إرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية  «
وتدور الحكمة على أمرين هما: الأسباب و التجريد، فالإنسان بين الحالتين:
1. حالة الأسباب: فيجد نفسه متقلّبا في سلطان الأسباب لا مناص له من التعامل معها والتحرّك فيها
2. حالة التجريد: أي يجد نفسه معزولا عن سلطة الأسباب، فتكون بعيدة منه و عن المناخ الذي أقامه الله فيه و من ثم فعليه أن يتعرف على حالته و يتعامل معها ولا يعمل هواه ،
 و من الحكمة نستنتج أن العمل الصالح هو:
-  لمن أقيم في عالم التجريد، طلب علم، و طاعات و دراسة دين الله
-  لمن أقيم في عالم الأسباب، يتمثل في خدمة أمته، و الإخلاص في أداء مهمته 

• • الحكمة الثالثة: « سوابق الهِمم لا تخرُق أسوار الأقدار  «
الهِمم هي العزائـم التي يمتّـع الله الناس بها في مجال الإقبال على شؤونهم الحياتية، و مهما اشتدّت و قويت هـذه العزائـم فإنّها لا تخـرق أسوار الأقدار ..
ولهذه الحكمة أثر تربويّ حين تتعامل شرعيّا مع الأسـباب، فهو اليقين الّذي يملأ قلبـك، و لسـانك الذي سيكون دائما في حالـة شُـكر و حمـد و ثنـاء عليه عزّ و جـلّ، و تزداد ثقتـك بالله و الطمأنينـة إلى قضائـه و قـدَره 
 
• • الحكمة الرابعة :  « أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك «.
التّعامـل مع الأسـباب هو جهـد عضلّـي مـادي يبـذله المتعـامل معها، و التّـدبير هو عمـل فكـريّ و قـرار عقـلي و معنـاه أنّ الإنسـان يتعـامل مع الأسـباب بالخطـط و النتـائج و العمليـات الحسـابيّـة، و أنّ عقـله هو مفتـاح النّجـاح .. و هذا هو نهـج المسـلم يتعـامل مع الأسـباب و يقبـل إليـها إقبـالا شـديدا و لا يـأل جهـدا في ذلك و في نفـس الوقـت يسـتسلم موقنـا بقضـاء الله و يرضى بحكمـه..
 
• • الحكمة الخامسة:  «  اجتهـادك فيما ضُـمن لك، و تقصيـرك فيمـا طُلـب منـك، دليـل عـلى انطمـاس البصيـرة منـك  «.
إذا انصـرف الإنسـان إلى إرهـاق نفسـه فيمـا ضمـن الله لـه مـن رزق، فـذاك يـدل عـلى عـدم الثّقـة بوعـد الله. 
إنّ ممـا يجـب علمـه هـو أنّـه ما مـن مخـلوق إلا و أقامـه الله تعـالى عـلى وظيفـة، و الإنسـان ليـس اسـتثناء من هذه القـاعدة، لكنّ الفـرق بينـه و بيـن سـائر المخلوقـات أنّـها تمـارس وظيفتها بالقهـر و الاضطـرار و الغريـزة، أمّـا هو حـرّ ذو إرادة، لكنّه قد يسـتعمل حريتـه للتّمـرّد على الله عز و جل، و على الوظيفـة التي أقامـه الله فيهـا، فيشـرد عنـها و لا يقـوم بها.
 
• • الحكمة السّادسة:   « لا يكن أمد تأخر العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو ضمن لك الاستجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، و في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد  «
والفرق بين الدّعاء وبين الطلب .. الطلب هو وصف للفظ ينطق به الطالب، أما الدّعاء فهي حالة نفسية تعتري الطّالب، فيسمى طلبه دعاء، و هذه الحالة النفسية تتحقق بشيئين:1. يقظة القلب و المشاعر: فالدّعاء يجب أن يُفهم أنّه ليس بطقس ديني يُمارس بشكل اعتيادي، و إنّما يجب إظهار مشاعر الافتقار إلى الله عز و جل، و هذا هو المقصود. و ليست العبرة بحفظ ورقات من الأدعية المستجابة و سردها، فإن لم يُستجب له، أبدى العتاب بقوله أنّه دعا و لم يستجب الله له و قد قال رب العزة: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )  {غافر:60} 2. التوبة إلى الله: و هي توبة من المعاصي و تكون نصوحة، متجددة، و يقدمها شفيعا بين يدي دعائه
فإن حققّت شرطي الدعاء، كانت استجابة دعائك محققة بإذن الله.
أما معنى الاستجابة ..
الاستجابة تكون للهدف و ليس بالوسيلة التي تراها أنت أو كما قال ابن عطاء الله "فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك "، فالله هو عالم غيب السماوات و الأرض و يعلم مكمن الخير، فقد يكون ما طلبته و إن ظننت أنّ به الخير، فهو ينطوي على شر و هذا معنى قوله تعالى:  
(وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) { البقرة:216}
و هذا هو خطأ الإنسان الأول في الدعاء حين يظن الخير فقط فيما يدعو إليه بالحرف.
أما الخطأ الثاني في الدعاء فهو الاستعجال فيه، و مرد هذا الخطأ أننا نعتقد أن الدّعاء هو وسيلة و ليست غاية في حدّ ذاته. فالدّعاء هو أصلا عبادة، و بالتالي فهو غاية، و هي مظهر لاحتياجنا لربّنا، فالإنسان عبد مملوك لربّه، و هو محتاج في أي لحظة لسيده، و الأصل في الأمر أن يبقى هذا التذلل و الانكسار مظهرا دائما ملازما لنا نجدد به عبوديتنا لله عز و جل.

 
• • الحكمة السّابعة:  « لا يشكّكنك في الوعد عدم وقوع الموعود و إن تعيّن زمنه لئلا يكون ذلك قدْحا في بصيرتك و إخمادا لنور سريرتك  «
إذا تصفح أحدنا كتاب الله عز و جل، فإنه يجد وعودا كثيرة لم تتحقّق: 
( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) {إبراهيم:13-14}ثم يتساءل من بعد ذلك، لماذا لا تتحقّق هذه الوعود؟  لكن .. ألا نتساءل: هل قُمنا بواجباتنا اتجاه الله عز و جل ؟
هل إعمار المساجد، و ازدحام مكة بالحجيج دليل على قيامنا بواجياتنا ؟ ..
إنّ الإنسان كلما كان بعيداً عن الله منكبّا على الدّنيا، تقلّ أمام بصيرته حقوق الله عليه، و تتكاثر أمنياته التي قد يرى فيها حقا على الله، و كلما كان قريبا من ربّه، تعظم أمام بصيرته حقوق الله، و تضمر حقوقه التي ربما يتخيل أنّها حق له من الله. نعم فكلما زاد الإنسان قربا من الله، ازداد شعوراً بالتقصير و أنّى لإنسان في هذه الحالة أن يرى لنفسه حقا يُطالب به، و هو مغمور بمشاعر تقصيره .. و نتيجة هذا الكلام، أنّ الله لا يُخلف وعداً لمن وفى بشروطه...


• • الحكمة الثّامنـة:  « إذا فتح لك وجهة من التعرّف فلا تبالِ معها إن قل عملك. فإنّه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف عليك. ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك و الأعمال أنت مُهديها إليه، و أين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك  «
للإنسان طريقان لا ثالث لهما يخرج بهما من أودية الضلال إلى صعيد الهداية ..  طريق الإنابة، أو طريق الاجتباء ..
و معنى الحكمة: إن فتح الله لك نافذة يعرّفك من خلالها على ذاته، فلا تعجب من أنك قد بلغت هذا الأوج من التوجه إلى الله دونما كثير من الطاعات، فطريق الفتح الإلهي مختلف عن طريق السّير الإنساني.
هذه الإرادة من لدن الله عز و جل و التي شرّفك الله بها تجب أن تملأ كيانك حبّا و تعظيما له حتى و إن قلّ عملك. ثم تأمّل سلم الأعمال الصّاعد بما فيه من الشّوائب، و ألطافه الإلهية بك.
يقول عزّ وجل: ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب  ({الشورى: 13}
  
• • الحكمة التّاسعة:  «تنوعت أجناس الأعمال بتنوّع واردات الأحوال  «.
يُعرف الحال بأنّه الوضع الذي يمر عليه الإنسان ثم يتجاوزه دون أن يستقر عليه، و هي نوعان: نفسية و اجتماعية. 
1- الأحوال النفسية: و هي ما اصطلح عليها علماء السلوك، التربية القلبية الموصلة إلى الله، وهي عبارة عن مشاعر داخلية تمرّ ولا تستقر، تأتي نتيجة وقوف وتأمل . عند بعض صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى، إذ تتأثر النفس بتلك الصفات، مما يدفع صاحبها إلى الأعمال التي تتناسب وذلك التأثير الذي هيمن على نفسه، كما تأتي نتيجة وضع مرّ به الإنسان شرد فيه عن أوامر الله وانغمس في بعض المحرمات، ثم انجاب عنه ذلك الوضع فأورثه مزيداً من الخوف من عقاب الله، فمن الناس من يقف أمام أسماء الله التي فيها الرحمة و الكرم، و العفو و المغفرة فيحسن الظن بربه، و منهم من يقف أمام صفات القهر و العقاب فيغلبه الخوف و الشعور بالتقصير.
فعنوان العمل ليس هو مناط المثوبة و القبول من الله عز و جل، بل ذلك مناط ما تفرزه الحالة التي يمر بها المسلم المتجه بكليته إلى الله. و يدخل في تنوع أجناس الأعمال تفاوت الناس و مدى قربهم من الله، فهذا من عُرضت عليه الطيبات زهد فيها ، و منهم من تمتع بها استشعارا للطف الله و رحمته و كرمه. فطبيعة الأعمال التي قاموا بها، إنما كانت نتيجة حالة نفسية كانوا فيها.
2- الأحوال الاجتماعية: و تعني بخلاصة الحالة الاجتماعية المحددة للإنسان (عازبا أو متزوجا، طالبا أم موظفا) فمثلا العازب لا يحمل إلا مسؤولية نفسه، ينهل من العلم الشرعي و يتقرّب إلى الله وقت فراغه، أما إن تزوج فلا يجب عليه إهمال أسرته بدعوى التقرب إلى الله، فذلك أيضا تقرب إلى الله. و العامل عليه الإتقان في عمله ثم الانصراف إلى عمله بعد الصلاة دونما تكاسل
 
• • الحكمة العاشرة : « الأعمال صور قائمة، و أرواحها وجود سرّ الإخلاص فيها  «..
إنّ جميع القُربات التي يُقدّمها العبد تتكوّن من عمل و قصد ..فصلاح الأعمال مهما تنوّعت تكون بصلاح القصد، قصد التقرّب إلى الله  فلا أعمال دون قصد، و لا قصد دون عمل إلا في بعض الأحيان 
كأن تكون النية سليمة و لا قدرة على الإتيان بالعمل كالصدقة و نحوها. أمّا إن كانت النية غير سليمة، فإنّ الله تعالى أجاب عن ذلك في محكم كتابه:   )وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوت مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ) {الفرقان:23}
و قد كانت آية تبكي الصحابة رضوان الله عليهموصحيح أن الأعمال الصالحة تشمل أساسيات الإسلام، و أيضا كل ما يحقّق مصلحة من مصالح الناس، لكن لا ينبغي فصلها عن الهدف القدسي الذي يجعل منها عبادة ألا و هو الإخلاص لله عز و جل. فلو صفت القلوب و خلصت النيّات لكانت كلمة المسلمين واحدة ..


• •• •• •• •• •

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية