السبت، 25 يونيو 2016

موسوعة أسماء الله الحسنى (القهّار)

هو الله الّذي لا إله إلا هو ** القهّار **



- مرَّ معنا سابقاً أن أسماء الله الحسنى لا تتغير في مستوياتها، وإذا انطبق هذا على الإنسان فإن هذا لا يجوز أن ينطبق على أسماء الله الحسنى . فأسماء الله الحسنى لا تفاوت فيها، فكيف يأتي اسم غير مبالغ به كالقاهر لقوله تعالى: « وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ » {الأنعام:61}
« يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ » {غافر:16}
وردت قاهر ووردت قهّار، فكيف نوفق بين أن الله عز وجل أسماؤه لا تتفاوت وبين أن يأتي اسم غير مبالغ به واسم مبالغ به، هنا المشكلة .. قلت لكم من قبل أن الإنسان إذا أكل طعاماً يسمى آكلاً ولا يُسمى أكولاً إلا إذا أكل وجبة كبيرةً جداً أو إذا أكل مجموعةً من الوجبات المبالغة تكون تارةً بالنوع وتارةً بالعدد. فأسماء الله الحسنى إذا وردت بصيغة المبالغة فالمقصود منها التكرار وليس النوع لأن مستوى أسماء الله الحسنى لا تتبدل، الإمام أبو حامد الغزالي قال: ليس في الإمكان أبدع مما كان
هو يقصد أنه ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني.
فالله عز وجل حكيم في خلق النملة وفي خلق المجرة، حكيم في خلق أصغر المخلوقات وفي خلق أكبرها، عليم بكل شيء أسماؤه من حيث المستوى ثابتة لا تتبدل فإذا تبدلت فبحسب المخلوقات لا بحسب الخالق ولكن إذا ورد اسم مبالغ به فهو لمبالغة التكرار الإنسان أحياناً يحارب عدواً ويقهره، وقد لا يتمكن أن يقهر عدواً ثانياً أو ثالثاًأما إذا قال: ربنا الواحد القهار فيعني أن كل المخلوقات مقهورة بالنسبة إليه لمن الملك اليوم لله الواحد القهَّار.. على وزن فعَّال.. وهو القاهر فوق عباده

- وقال تعالى: « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » {يوسف:21}
والله غالب على أمره، هذا مغزى قصة سيدنا يوسف، هذا المغزى موجز القصة بأكملها في تفصيل هذا المغزى. 
قصة أخرى يتجلى فيها اسم القهار، سيدنا موسى مع فرعون، فرعون الذي أراد أن يذبح أبناء بني إسرائيل جميعاً ليمنع حدوث رؤيا قد رآها وهي أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه، فالله عز وجل قهره بأن الطفل الذي سيقضي على ملكه رباه في بيته، والحقيقة كل أفعال الله عز وجل تصدر عن أسمائه أو أن أفعاله كلها فيها أسماؤه كلها وهذا ما يدعو إلى تفسير بعض الآيات التي ورد الحديث فيها عن ذات الله بضمير المفرد وبعض الآيات التي ورد الحديث فيها عن ذات الله بضمير الجمع. « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ » {ق:43}
« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلاً » {الإنسان:23}
« إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي » {طه:14}
إذا جاء مفرداً فللتعبير عن ذات الله، وإذا جاء جمعاً فللتعبير عن أن أسماء الله الحسنى جميعها واردةٌ في أفعاله، ونحن عندما نقسم أنه سميع، لطيف بصير، قدير، قوي، حكيم، هذا تفصيل دراسي مدرسي أما الأسماء متداخلة في بعضها بعضاً، أحياناً ربنا عز وجل يجمع أسماءه في أسماء موجزة فمثلاً: « تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ » {الرحمن:78}
فالجلال صفة تشعر بالعظمة والإكرام، صفة تشعر بالعطاء، فأنت في حياتك اليومية قد تتعامل مع إنسان تعظمه ولا تحبه، وقد تتعامل مع إنسان تحبه ولا تعظمه، والبطولة أن تجمع بين التعظيم والمحبة، فربنا عز وجل بقدر ما هو في جلال ورفعة وعظمة وعلو شأن وكبرياء وجبروت وقهر وقدرة وغنىً بقدر ما هو رحيم لطيف ودود كريم عفو غفورٌ هناك أسماء متعلقة بالجلال وهناك أسماء متعلقة بالإكرام، وقد وردت هذه الأسماء في آيتين، قال الله تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ » {الرحمن:26}
« تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ » {الرحمن:78}
- أحياناً في موضوع الاستقامة ربنا عز وجل يذكر اسمين فقط، مثلاً قال الله تعالى: « اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً » {الطلاق:12}
اختار من كل أسمائه القدرة والعلم، لأنك لن تستقيم على أمره إلا إذا أيقنت أن علمه يطولك وأن قدرته تطولك، ففي موضوع الاستقامة أنت بحاجة إلى أن تؤمن باسمي العلم والقدرة، من أجل أن تستقيم وأن تعظم لا بد من أن تؤمن باسمه ذي الجلال والإكرام.
فاسم القهار إما أن يرد مباشرة، وهو القاهر فوق عباده.. لمن الملك اليوم فيقول الله عن خلقه لله الواحد القهار.

- هناك آية دقيقة جداً، يقول الله عز وجل: « صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ » {الشورى:53} الإنسان يعجب !! هذا كلام الله فلما يقول الله:
« أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ »
فهي أين كانت ؟ بيد من كانت ؟ المعنى المستنبط من هذه الآية أنها لم تكن بيده من قبل والآن أصبحت بيده، إذا قلنا صار الأمر في هذا الموضوع إلى زيد يعني أن زيداً لم يكن الأمر بيده من قبل ؛ فالواقع أن معظم الناس في عمى عن الحقيقة، فعامة الناس يرى أن الأمر بيد الأشخاص، وهذا
شرك، هذا وهم الأعمى، لكن يوم القيامة جميع المخلوقات ترى أن الملك لله الواحد القهار، لكن في الدنيا لا يرى هذه الرؤيا إلا المؤمن أما في الآخرة فهذه الرؤية عامة شاملة. بآيات وبشكل صريح، قال الله تعالى: « وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ » {الأنعام:18}
« يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ » {غافر:16}
الحديث القدسي: (عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيى بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم
لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً...)
(أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد، كفيتك ما تريد وإذا لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد)
هذا الحديث القدسي يعطي معنى القهار، أمر الله هو النافذ، الأمور تدور وتدور.

- القهر في اللغة يعني الغلبة، قهره أي غلبه، أو صرف الشيء عن طبيعته طبيعة قوية قهرية، وجعلته ضعيفاً على سبيل الإلجاء، قال تعالى: « الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ » {الضحى:9}
ودائماً وأبداً هناك أسماء إذا سمي الإنسان بها فهي صفة ذم، وإذا كانت من أسماء الله فهي اسم من أسماء الله الحسنى قال الله تعالى: « فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » {الضحى:9-11}

- والقهار على وزن فعَّال مبالغة من القاهر فيقتضي تكثير القهر التكثير العددي لأن التكثير النوعي لا يليق بحضرة الله تعالى.
كلكم يعلم أن لله عز وجل أسماء ذات وأسماء صفات وأسماء أفعال، قال العلماء: القهر قدرة على وصف مخصوص، كما أن الرحمة إرادة على صفة مخصوصة، والقاهر هو القادر على منع غيره أن يفعل بخلاف ما يريد، يعني صفة لله عز وجل في ذاته، قدرة على نحو مخصوص يمنع الآخرين عن أن يفعلوا ما يريدون، مشيئته هي النافذة، أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والاسم القهار له علاقة وشيجة بالتوحيد، الذي كما يقول العلماء، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد. فإذا قلنا أن اسم القهار هو قدرة على نحو مخصوص من أسماء الذات، وإذا قلنا هو فعل يمنع الآخرين عن أن يفعلوا ما يريدون فهو من أسماء الأفعال.

- القهار، قال بعض المحققين إنه قهار للعدم، فالعدم ما سوى الله عز وجل ما سوى الله كان عدماً فأوجده الله فهو ممكن، وهذا الشيء الموجود بقدرة الله عز وجل لا يستمر إلا بقدرة الله، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً » {فاطر:41}
السماوات والأرض هذا تعبير قرآني عن الكون، الكون كله كواكب ونجوم ومجرات، الكون كله يتحرك وإذا لم يكن يتحرك لأصبح الكون كله كتلة واحدة ومعنى أن تزولا، يعني أن تنحرف عن مسارها، والذي قهر هذه النجوم وجعلها تبقى على مسارها ؟ الله عز وجل، فالله عز وجل قهار للعدم،
فهذا الشيء الذي خلقه أصله لا شيء إذاً هو أصله العدم سبقه العدم وينتهي إلى فناء، كل شيء يسبقه العدم وينتهي إلى فناء فهو ممكن، أما الله سبحانه وتعالى فهو واجب الوجود، لا أول له ولا آخر له، هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية.
ربنا سبحانه وتعالى قهار للعدم بمعنى أن هذا الممكن ممكن بقدرة الله وممكن بإمداد الله وممكن بتسيير الله، وفي أي لحظة يوقف الله عز وجل عن هذا الممكن تجليه وإمداده ينعدم الممكن، هذا معنى قوله تعالى: « اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ » {البقرة:285}
يعني قيام كل شيء في الكون بالله عز وجل، أول معنى من معاني القهر أن الله عز وجل قهر الممكن وجعله قائماً جعله مستمراً جعله موجوداً  قال الله تعالى: « قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى » {طه:49-50}
لو ترك وحده لكان معدوماً، فكأن جوهر الممكن أنه العدم ولولا قدرة الله القاهرة في الممكن لما كان هذا الممكن موجوداً، إذا فالكلمة الدقيقة  " كن فيكون، زلْ فيزول ".
قال بعض المحققين القهار للعدم والوجود لأن الممكن لو ترك وحده لكان معدوماً فكأن ماهية الممكن تقتضي العدم إلا أنه سبحانه وتعالى منزه يقهر هذه الحالة ويبدل العدم للوجود.
بعض العلماء يقولون بالحياة أربع مواد أساسية هي الماء والهواء والنار والتراب وهذه كلها متنافرة والله سبحانه وتعالى بقوته القاهرة ألف بينها من معاني قهره أنه ألف بين المتنافرات، فأنت لا تستطيع أن تجعل البحر يحترق، والبحر ماء لكن ربنا عز وجل قال: « وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ »
أسجر النار يعني أشعلها، كيف ؟ أنت بالماء تطفئ النار لكن هذا الماء هدروجين وأكسجين، الهدروجين من أشد العناصر احتراقاً والأكسجين من أشد العناصر مساعدةً على الاحتراق، فالله عز وجل بقدرته يجعل من هذا البحر ناراً، فمن معاني قهر الله عز وجل أنه يؤلف بين الأشياء المتنافرة
وهذه العناصر الماء والهواء والنار والتراب كلها متنافرة ومع ذلك تأتلف في المخلوقات.
شيء آخر، إن الروح جوهر لطيف، روحاني نوراني والبدن جوهر كثيف مظلم وبينهما منافرة عجيبة ومع ذلك أسكن الله الروح في هذا الجسد بقهره.

- من معاني القهار أن الله قهر العباد كلهم بالموت
، لا نبي ولا رسول ولا قوي ولا غني ولا صحيح ولا مريض ولا فقير ولا رفيع ولا وضيع ولا ملك ولا وزير إلا ويموت " إنك ميتاً وإنهم ميتون"وحتى ملك الموت يأتي دوره يقال له مت يا ملك الموت فيذوق طعم الموت، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (سبحان الله إن للموت لسكرات)
الله تعالى يذل الجبابرة والأكاسرة تارةً بالأمراض وتارة بالنكبات وتارةً بالموت
- إن العقول مقهورة عن الوصول إلى كنه صمديته والأبصار مقهورة عن الإحاطة بأنوار عزته، فإياك أن تقول أنا أدرك الله لأن من معاني الإدراك الإحاطة، فإذا أمسكت شيئاً صغيراً تعرف طوله وعرضه ووزنه، عقلك يصل إلى الله لكنك لا تستطيع أن تحيط به لأن الله عز وجل لا يعرفه إلا الله قال الله تعالى: « وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً » {الإسراء:85}
« وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ » {البقرة:255}
بالقدر الذي يشاء، فعقل الإنسان مقهور عن إدراك كنه صمديته فالإنسان العاقل لا يطمع أن يجيب عن كل سؤال متعلق بالله عز وجل فليس معناه أنه جاهل. قالوا عين العلم بالله هو عين الجهل به وعين الجهل به عين العلم به، فكلما قلت أدري وكل سؤال له عندي جواب وأنا أعلم كل شيء فهذا
دليل قطعي على أنك لا تعلم، هذا ما يتعلق بذات الله عز وجل. ربنا قهار فهناك حوادث لا تعلم كنهها فقل سبحان الله لا أدري ما حكمتها وبلد يقع فيها زلزال قتل فيه تسعون ألفاً، هناك حكمة ولكن لا أعرفها فعقلي قاصر عن إدراك الحكمة، ليس من المفروض أنه كلما وقع أمامي مشكلة أن أعطي التفسير البسيط، قد يكون التفسير البسيط ساذجاً، فإذا قلت أنهم أصيبوا بسبب بمعاصيهم، فهذا كلام إلى حد ما مقبول ولكن أحياناً المؤمن يُبتلى فالمؤمن له معاملة خاصة له ابتلاء ترقية درجات فالأكمل أن لا تدعي أنك تعرف كل شيء

- المعنى السابع والشامل، إن جميع الخلق مقهورون في مشيئته، كما قال الله تعالى: « وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ » {البقرة:255}
القوى المحركة بيد الله عز وجل، لا يستطيع إنسان أن يتحرك إلا بمشيئة الله، إذاً هو القهار وبالجملة لا ترى شيئاً سواه إلا مقهوراً له تحت أعلام عزته ذليلاً في ميادين صمديته، هناك معاني أخرى للقهار، بعض العلماء يقول: " القاهر هو الذي قهر نفوس العابدين "، كل القوى مصدرها من الله عز وجل، إذا أقبلت على الله تسعد أضعاف ما يسعد من أحبوا أناساً من بني جنسهم، إذا أقبلت على الله تغنى أضعاف ما يحس به الأغنياء في الدنيا، إذا أقبلت على الله تشعر بقوة أضعاف ما يشعر بها الموالون للأقوياء، لهذا قيل:" إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله القاهر الذي قهر نفوس العابدين فحبسها على طاعته، العباد لما أقبلوا على الله وصلوا سعدوا فحبسوا أنفسهم على طاعته، فالله قهرهم بجماله قهرهم بكماله قهرهم بتجليه، فالمحب لم يعد يريد من الدنيا شيئاً.

- حظ المؤمن من اسم القهار ؟
إذا عرف المؤمن القهار فمتى ذلك أنه عرف حجم عبوديته، من عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه عرف نفسه، كلمة سأفعل كذا وكذا وسأعطي وسأمنع، هذا كله يبتعد عنه المؤمن لأنه يتنافى مع اسم الله القهار.
ولكن يمكن أن يكون المؤمن قهاراً بمعنى خاص، أن يقهر شهوته وأن يقهر متعلقات شهوته، لأن شهوته هي أعدى أعدائه، فإذا قهر ميله وشهوته وهواه معنى ذلك انتصر على ذاته، وهذا معنى قوله تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى » {الليل:5-10}
فكل إنسان ينساق مع شهواته وميوله وأهوائه، أي حركة يتحركها الإنسان دون منهج الله عز وجل معنى ذلك ينساق مع شهواته مع رغباته إذاً هو ما طبق في نفسه اسم القهار . إذاً أن تقهر شهوتك التي هي أعدى أعدائك إن فعلت هذا قد حققت في نفسك هذا الاسم العظيم، بهذا الاسم تعرف ربك وبهذا الاسم تتخذ السبيل إلى طاعته ومحبته ومرضاته

~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف
التالي : اسم الله تعالى  ** الوهّاب **

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية