هو الله الّذي لا إله إلا هو ** الجبار **
- ذكر الله سبحاته اسم الجبار في الآية:
« هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ
السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
» {الحشر: 23}
والإنسان أحياناً تتداخل
عنده صفات الإنسان مع صفات الخالق فلابد من التوضيح بأنّ هناك صفات إذا نسبت إلى الخالق فهي
صفات كمال، أما إذا نسبت إلى المخلوق
فهي صفات نقص، فإذا وصفنا إنساناً بأنه جبار
فهذه صفة نقص فيه لأن وجوده مستعار وجوده من الله عز وجل، خلق الإنسان ضعيفاً، خلق الإنسان
عجولاً، خلق الإنسان هلوعا،..
هذا الإنسان الذي يوصف بأنه جبار هل بإمكانه أن يضمن استمرار
حياته إلى ثانية واحدة ؟
- على كلٍ كلمة الجبار لها
معانٍ عدة:
* المعنى الأول: الجبار هو العالي الذي لا يُنال، نقول نخلة جبارة لشدة
ارتفاعها لا نستطيع قطف ثمرها، نقول ناقة جبارة
يصعب ركوبها، والله سبحانه وتعالى
يقول في قرآنه الكريم: « قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً
جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا
مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ» {المائدة: 22}
هذا المعنى
الأول من معاني اسم الجبار الإله العظيم الذي لا تناله الأفكار ولا تحيط به الأبصار ولا يصل إلى
كنهه عقول العقلاء وهو من صفات التنزيه
* المعنى الثاني: هو المصلح للأمور، كلما حصل أمر حصلت مشكلة إن سلم
شيء، تهدم شيء، افتقر إنسان تضعضع إنسان،
يأتي خالق الكون وهو الجبار فيرأب الصدع ويلم الشمل ويغني الفقير ويجبر الكسير ويعطي المحروم
ويرفع الذليل، لذلك كلما جئت الله عز وجل خاضعاً منكسراً جبرك كلما جئته من باب الخضوع
والتذلل والإنكسار جبر كسرك ولمَّ شعثك ورأب صدعك وقوى ضعفك وأغنى فقرك وأعز ذلك الجبار هو المصلح إن جبر الفقير أغناه وإن جبر المريض شفاه وإن جبر الذليل أعزه وإن جبر الضعيف
قواه وإن جبر الخائف أمّنه، فالجابر هو المصلح والجبار كثير الإصلاح كمّاً ونوعاً هذا المعنى
الثاني. إذاً قل يا جبار الدعاء الشهير الذي دعاه النبي عليه الصلاة والسلام: (( يا جابر كلَ
كسير )). لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (( الحزانى في كنف الله، إن الله يحب كل قلب حزين، الحزانى
معرضون للرحمة ))
إذا كنت في خصومة وكنت أنت
القوي واستعملت قوتك في الظلم فلست رابحا ولست منتصرا لأن هناك جبارا أعلى سوف يقصمك،
أما إذا كنت الجانب الأضعف هناك الجبار الذي سيرحمك. شريكان يتخاصمان أحدهما
أقوى من الثاني القوي يطرد الضعيف ويبقى في المحل ليس هذا ربحاً ولا ذكاءً ولا شطارةً ولا
قدرةً لأن الله مع الضعيف والله هو الجبار، سيجبر كسر الضعيف وهو الجبار سيقصم الظالم. زوجان تخاصما أحدهما تجاوز حدوده، هنيئاً لمن كان الأضعف هنيئاً
لمن كان المظلوم، لأن الله مع المظلوم
في الزواج وفي الشراكة وفي أي تعامل فالله جبار
على الظالمين جبار للمظلومين، جبار على
الأقوياء جبار للضعفاء جبار على المتكبرين جبار للمتذللين. فالجبار المصلح لكل الأمور،
المظهر لدين الحق، الميسر لكل عسير، الجابر لكل كسير وهذه
صفة من صفة أفعال الله عز وجل
صفة فعل.
* المعنى الثالث للجبار:
الجبار بمعنى أنه جبره على كذا أي أكرهه على ما أراد بمعنى
أجبره، الله عز وجل جبار مشيئته
هي النافذة، أنت تريد وأنا أريد هكذا يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن
لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم
لا يكون إلا ما أريد ))
~ فرعون قال: أنا ربكم الأعلى، وما أرى لكم من إله غيري، رأى في المنام
أن طفلاً من
بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه،
كان حريٌ به أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يعود عن غيه وعن ظلمه وعن كبره وعن ادعائه،
خطر في باله أن
يقتل كل أبناء بني إسرائيل وهكذا فعل، لا تستطيع قابلة في عصره إلا
أن تخبر رجاله عن مولود ذكر ولد لبني إسرائيل فإذا أخفت قتلت هي مكانه، يذبح أبناءهم. أما
هذا الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره . الجبار الله عز وجل قهره وهو يغرق، قال تعالى:
« وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ
وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ
آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا
مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ
مِنَ الْمُفْسِدِينَ » {بونس: 90-91}
~ أخوة يوسف أرادوا به كيدا
فجعلوه في غيابة الجب، ما الذي حصل ؟ دخلوا عليه قال: أنا يوسف
و هذا أخي قد منَّ الله
علينا إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين،
ما الذي حصل ؟ والله غالب على أمره ولكن
أكثر الناس لا يعلمون.
الله جبار فقد أحبط مسعى
إخوته الذين أرادوا أن يجعلوه في غيابة الجب أرادوا أن يقتلوه ثم صار عزيز مصر، إذاً الله جبار.
~ قوم إبراهيم أرادوا أن
يحرقوه وأن ينتهوا من هذه الأسطورة والأمر بيدهم وهم أقوياء وجاؤوا بالنار وأوقدوها وأضرموها وألقوا
إبراهيم عليه السلام وكان من الممكن أن يتفلت من أيديهم، كان من الممكن أن لا يعثروا عليه،
كان من الممكن أن تأتي أمطار غزيرة تطفئ نارهم، كان من الممكن ألا يعرفوا من كسر هذه الأصنام
لكن أراد الله عز وجل أن يعرفوا أنه كسرها وهو فتى وأن يعترف بفعلته وأوقدوا النيران
وأشعلوها وألقوه فيها، الله جبار قال تعالى: « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا
بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ » {الأنبياء: 69 - 70}
~ النبي عليه الصلاة والسلام
أئتمروا على قتله، قاطعوه نكلوا بأصحابه ثم دخل عليهم فاتحاً وهم رهن إشارة منه، لو أعطى
إشارة لقتلوا جميعاً قال: ما تظنون
أني فاعل بكم قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم .. قال: اذهبوا فأنتم طلقاء.
** أول معنى الجبار الشيء
العالي الذي لا يدرك من أسماء التنزيه فمن المستحيل أن تحيط بالله عز وجل حتى الأنبياء
لم يعرفوا الله، عرفوا جانباً من الله عز وجل عرفوا طرفاً من كمالات الله، لكن لا يعرف
الله إلا الله.
هذا أول معنى المعنى الثاني
الجبار المصلح الضعيف يجبره الكسير يجبره المظلوم يجبره الفقير يجبره هذا المعنى الثاني،
أما المعنى الثالث هو الذي يجبر جميع الخلق على مشيئته إرادته أبدا
* المعنى الثالث: الجبار:
جبره على كذا أي أكرهه على ما أراد. الجبار: هو الله عز وجل الذي أجبر الخلق على ما أراد
وحملهم عليه، أرادوا أم لم يريدوا أحبوا أم لم يحبوا أي لا يجري في سلطانه إلا ما يريد ولا
يحصل في ملكه إلا ما يشاء ينفَّذ مشيئته على سبيل الإ جبار ولا تنفذ فيه مشيئة أحد. فبعد المعنى الدقيق للجبار هل لكم علاقة مع غير الله عز وجل؟ هل
يوجد جهة غير الله عز وجل أهل لأن تسأل
أن تخاف ؟
أحد العارفين قال:
" يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو أحداً غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين على أمر بأحد غيرك،
وعجبت لمن يعرفك كيف يلتفت لأحد غيرك ".
بعضهم قال: الجبار من لا
يرقى إليه وهم ولايشرف عليه فهم ولا يلحقه إدراك، ينفذ أمره في كل شيء ولا ينفذ فيه أمر شيء،من
أصلح الأشياء بلا اعوجاج وأمر بالطاعة بلا احتياج، هذا من تعاريف اسم الجبار.
إذا كان الإنسان جباراً
بالمعنى المذموم لا بد من أن يقصمه الله عز وجل ويمكن للإنسان أن يتخلق بهذا الخلق من زاوية واحدة
فقال: من لم يكن أسيراً لحب المال والجاه، فكل إنسان يحب المال هذه نقطة ضعف فيه أصبح ضعيفاً
مفتاحه المال، وآخر تعظّمه فيلين معك هذا يحب الجاه، فكل إنسان أسير للمال أو الجاه
ضعيف، فإذا تنزه الإنسان عن حب المال وحب الجاه أصبح جباراً بالمعنى الذي يليق بالإنسان،
لم يعد إنساناً تستطيع أن تملك مفتاحه، فتصل إلى ما تريد عن طريق نقطة ضعفه. فالمؤمن
الجبار لا يوصل إليه لا بالمال ولا بالمديح، لا تصل إليه إلا بالحق في كل شخص مهما كان قوياً نقطتا
ضعف المال والنساء ولا يوجد إنسان يتآمر على إنسان إلا بهاتين النقطتين، إما بامرأة تغريه
فيسقط وإما بمال يأخذه حراًما فيسقط، فإذا كان الإنسان محصناً من المال والنساء لا يستطيع
أعداؤه النيل منه.
فالجبار من الناس الذي يجبر
الخلق بهيئته وصورته على أن يقتدوا به يفيد ولا يستفيد
ويؤثر ولا يتأثر هذا هو النبي عليه
الصلاة والسلام، أي بلغ من الكمال درجة يفيد الخلق كلهم ولا يستفيد يؤثر فيهم ولا يتأثر غني
عن المال ، قال له: لمن هذا الوادي ؟، فقال له: هو لك. قال: عجبت لك أتهزأ بي !! قال: هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، قال: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي . إذاً الجبار إذا أمكن لإنسان أن يكون كريما فعليه أن يتنزه عن حب
المال وعن حب المديح والجاه
~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف
التالي : اسم الله تعالى ** المتكبّر **
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق