الأربعاء، 25 مايو 2016

موسوعة أسماء الله الحسنى ( الخالق )

هو الله الّذي لا إله إلا هو ** الخالق **


- بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » {البقرة: 21} . يُفهم من هذه الآية أن الخالق وحده ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعدت بعبادته، وإذا عبدته نجوت من عذابه، وإذا عبدته أفلحت في حياتك وفُزت بعد مماتك، ودخلت الجنة وسعدت فيها إلى الأبد. وفي المعنى المألوف اليوم أنّ الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل، فمثلاً لديك آلة،فما الجهة المخوّلة والوحيدة التي لها الحق أن تُصدر تعليمات التشغيل ؟ إنه الصانع  « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ »
- السؤال المفرود لماذا ؟ ألا يعلم من خلق، فهو عليم خبير حكيم يعرف طبيعة هذه النفس، وما يصلحها و يفسدها، وما يسعدها و يشقيها وما يرفعها و يخفضها، و يطمئنها ويخيفها إنه هو الخبير، قال الله تعالى: « إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ » {فاطر: 14}
أي إنسان واعٍ مَلك جهازاً له قيمته يحرص على سلامته ويسأل الخبراء المتخصصين دون غيرهم، فقد تشتري سيارة وتراها ذات مظهر أخّاذ ولكن تخاف أن يغدر بك البائع، وتسأل قبل شرائها عن خبير، فتقول له: انظر لي هذه السيارة ما قوتها ؟ وما طبيعة محركها ؟ وما وضعها العام ؟ وما سلامة هيكلها ؟ إذاً أنت في أمورك التي تتعامل معها يومياً تبحث عن الخبير، وتبحث عن العليم..
ففي أي موضوع ... حتى في شأن صحتك، وعلاقتك الخاصة جداً، و كسب رزقك، وفي شأن شيخوختك، عليك بهذا القرآن ففيه الهدى. روى ابن عدي في الكامل عن أنس:  ( من تعلم القرآن، متعه الله بعقله حتى يموت) وقد استرعى نظري أحد الأطباء وهو يُعالج مريضاً مصاباً بتضيّق شرايين الدماغ، فصار إلى الحركة البطيئة، فقال هذا الطبيب عليكم أن تحدثوه قلت وما السر في ذلك، قال إذا حدثتموه اضُطرَ أن يُجيب، فإذا أراد أن يجيب تنشطت خلايا الدماغ وتوسعت الشرايين في الدماغ قلت يا سبحان الله لقد صدق النبي عليه الصلاة والسلام، حين قال: ( من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت)
فدماغ المصلي و قارئ القرآن، و العابد لله عز وجل، في نشاط دائم، هل أذّن الظهر؟ وهل دخل الوقت؟ و كم ركعة ؟ أول ركعة، الثانية، الثالثة، الأولى مع قراءة، الثالثة بِلا قراءة، فهو في نشاط دائم فإذا قرأ
القرآن هنا إدغام وهنا إظهار وهنا إخفاء وهنا قلقلة وهنا مد طبيعي، فالذهن متقد دائماً يحاول أن يفَهِمَ معاني الكلمات ومعاني الآيات، فالإنسان إذا قرأ القرآن فهو في نشاط دماغي دائم، إذاً: ( من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت )
قال تعالى: « قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى » {طه: 123}
لا يضل عقله ولا تشقى نفسه « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » {البقرة: 123}
- ونحن هنا ندور حول آية واحدة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »
فأنت ليسَ لك حق أن تتبع إنساناً بعيداً عن الله عز وجل، إيّاك أن تستشير في أمورك شخصاً بعيداً عن كتاب الله، مقطوعاً عن الله عز وجل، لقوله تعالى: « وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾ » {الكهف: 28}
« وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ » {لقمان: 15}
إذاً: الجهة الوحيدة في الكون التي تستحق أن تطيعها وأن تعبدها هو الخالق جل وعلا، : وقد ذكرت من قبل أنّ الإنسان إذا تولّى جهات أخرى يُصاب بهزات تبعثره وخيبة أمل، وإحباط، لأن أية جهة أخرى قد لا تعطيك الحقيقة، أو قد تعطيك الحقيقة مزوّرة، أو تنقل إليك فكرة مغلوطة لا يؤكدها الواقع، ولا يخفى على أحد أن طمأنينة المرء وسعادته تكمن في أن يعتقد ما صح نقله، وما قَبِلَهُ العقل، وما أكدّتُه الفطرة، وما أيّده الواقع، واقعٌ ونقل وعقل وفِطرة، هذا هو الحق فإذا انطلقت أيها القاريء الكريم في حياتك وفي حركتك اليومية وفي نشاطك من نقل صحيح و عقل راجح ومن واقع دقيق و فِطرة سليمة وإذا اجتمعت لديك هذه الخطوط الأربعة في دائرة واحدة فأنت مع الحق والذي يكون مع الحق لا يخيب ظنه ولا يحبط عمله ولا ينقطع رجاؤه ولن يُفاجأ بحدث لم يكن متوقعاً.
- ومن الآيات التي تتحدث عن اسم الخالق، قول الله عز وجل: « هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » {الحشر: 24}
فكلمة: " الله " عَلَم على الذات، أي أن الله سبحانه وتعالى هو الذات الموجودة الواحدة الكاملة، وأسماء الله الحسنى على كثرتها تعود إلى أصول ثلاثة، الله موجود، والله واحد، والله كامل.. فالله موجود واجب الوجود والله واحد، واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله، أما وإن الله كامل فأسماؤه كلها حُسنى وصفاته كلها فُضلى، لذلك لا غرابة إذ صاح أحد العارفين " يا رب لا كرب وأنت الرب " فالله موجود واجب الوجود، واحد ليس من جهة ثانية جهة واحدة تستحق العبادة، كما أنها تستحق الطاعة، و الحب، والإخلاص وأن تعمل لها، وأن تفني شبابك من أجلِها، وأن تبذل كل عمرك في سبيلها، هي الذات الإلهية، لذلك لما قال ربنا عز وجل: « وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ» {المدثر: 56}
أي هو أهل أن تفني شبابك من أجله، وأن تمضي كل حياتك في خدمته وأن تنفق مالك في سبيله، وأن تبذل كل ما تملكه في رضاه، وألخصها بكلمة واحدة: تضحية صادقة لكنها مجزية ولذلك فالإنسان عندما يستهلك نفسه استهلاكاً دنيوياً وينحدر إلى خريف العمر وهو قادم على حياة مجهولة، لا يملك من نقدِها شيئاً وقد أمضى حياته كلها في أشياء لا تنفعه في آخرته، فهو في ضياع ؛ فندائي صدى لنداء الله سبحانه: « يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ »
- الجهة الوحيدة التي تستحق الطاعة والعبادة والإخلاص والحب هي الله فأنا لا أعتقد أن في الأرض رجلين تحابا كسيدنا الصديق وسيدنا رسول الله ومع ذلك ماذا قال عليه الصلاة والسلام قال: (لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ولكن أخ وصاحب في الله، أما العلائق فكلها مع الله وحده).
فأقول لكم سِرُّ السعادة أنك تعمل لوجه واحد، فتُرضي جهةً واحدة وتبحث عن خالق عظيم فتصفيه كل نفسك، قال الله تعالى:  « هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » {الحشر: 24}
فالخالق هو الله، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى علم على الذات. وفي آية أخرى قال الله تعالى: 
«ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ » {الأنعام: 102}
فالله سبحانه ؛ يحتاجه كل شيء في كل شيء فاعبدوه فلنلاحظ أن أمر العبادة يأتي في الأعم الأغلب في القرآن الكريم بعد اسم الخالق.
« اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ » ، «خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ » ومن ثم تطالعنا حقيقة أخرى: هو وحده " الخالق "، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » {فاطر:3}
عندما تَحاوَرَ سيدنا إبراهيم مع النُمرود قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، فرد عليه متنطعاً: أنا أحُيي وأميت:
« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » {البقرة:258} فكان النمرود الغباء كله، والضلال والضياع والكفر.
« أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ » {يس:81}
أما صيغة " الخلاّق "، فهي صيغة مبالغة لاسم الفاعل يعني كثير الخلق وعظيم الخلق، إذ ترى مجرة بُعدُها عنّا ستة عشر ألف مليون كيلو متر وقلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة
بينهما،وأربعة أخماس الكرة الأرضية بحراً، وبعض أعماقه عشرة آلاف متر، إنه شيء مخيف، واصعد إلى بعض الجبال جبال الهمالايا مثلاً، يهولك ارتفاعها. وانظر إلى بعض الحيوانات، فالحوت الأزرق، مائة
وخمسون طناً، ودمه تسعون برميلاً من زيت السمك، يستخرج من حوت واحد، من اللحم خمسون طناً، ومن الدهن خمسون طناً تقريباً وأحشاؤُه خمسون طناً، فهل من خالق غير الله ؟
« بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ». وقال الله تعالى: «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين » {المؤمنون:14}
وهذه الآية ذات معانٍ كثيرة فمن بعض معانيها أن الإنسان أحياناً يصنع شيئاً يكون في البداية بسيطاً لكنه كلما ارتقى علمه وارتقت خبرته يكمُل عمله فإذا كنت تريد أن تعمل موازنة بينَ ما يصنعه الإنسان وبين صنعة الواحد الديّان فإنك ترى فرقاً كبيراً، فأنجح طبيب أسنان إذا أراد أن يقلع لطفل سناً  فلابد من إبرة تخدير باللثة ويبكي وييشتم الطفل ويتمرد، وأبوه يهدئه أما عندما يقلع الله ضرساً لطفل صغير كيف يقلعه ؟ يسقط مع الأكل، فقد ذاب جذر السن شيئاً فشيئاً وانقطع العصب.
اعمل موازنة، ولترَ الأشياء بحجمها الحقيقي، فآلة التصوير تحتاج إلى تحميض فيلم، يُقال لك غداً، ونظرك الأشياء لا يحتاج إلى تحميص، تنظر فتشاهد حالاً بالألوان وبالحجم الطبيعي مع الحركات، صوراً متحركة ملونة فأنت إذا نظرت بالعين المجرّدة، رأيت مائة إنسان أمامك دفعة واحدة وكل إنسان له لون عندك، بينما إن صورت في فيلم مائة رجل تقريباً يظهرون بلون واحد، فالعين المجردة تفرق بين درجتين إلى ثمانمائة ألف درجة باللون الواحد، فلو درَّجنا اللون الأخضر ثمانمائة ألف درجة نجد العين السليمة تفرق بين كل درجتين .. إذاً: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ »
ميّز بين آلة التصوير وبين العين، تر فرقاً كبيراً جداً فمتى أُخذت المسافة والسرعة والفتحة؟ هناك فتحة وسُرعة ومسافة، فعينك بشكل عفوي وبشكل آلي تقيس المسافة، والعضلات الهدبية تضغط على الجسم البلوري ضغطاً بحيث يتقوَّس تقوَّساً يجعل الخيال على الشبكية هذه المطابقة، وهي من أعقد العمليات في العين، فكل إنسان ينظر إلى شيء دون الستين متراً يحتاج إلى مطابقة، فالمطابقة ؛ أن هذا الشيء لو اتجه نوره إلى العدسة لوقع الخيال إما بعد الشبكية أو قبلها، فحتى يقع خيال ظلِ الشيء على الشبكية لا بد من أن نعدل احديداب الجسم البلوري إما ضغطاً أو بسطاً، فهذه العضلات الهدبية فيها علم كبير جداً تُرى كم ميكروناً تضغط حتى يقع الخيال على الشبكية ؟ أعتقد أن عملية مطابقة العين من أعقد العمليات في جسم الإنسان. «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ »
- ومن ثم ندخل في بعض التفاصيل، ولنبدأ في تفسير كلمة الخلق، الخلق في اللغة جاء بمعنى الإيجاد والإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود، سوف نتناول الآيات بشكل تفصيلي، الآية الأولى: « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ »
هذه الآية تقتضي كثرة الخالقين، وثَبُتَ بالدلائل العقلية والسمعية أنه لا مُوجِدَ إلا الله تعالى، فوَجَبَ حملُ الخلق في هذه الآية على " التقدير "
أما أنت فتصنع من خشب ومن جلد مقعداً، فتكون قد قدرت كمية الخشب ونوعه وجودته ونوع الجلد ومتانته ولونه ونسَّقت بينهما على شكل كُرسي فأنت حينما صنعت هذا الكرسي لم توجده من عدم ولكن صنعته من مواد موجودة. «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ » هذا مما تقتضيه هذه الآية.
والآية الثانية: « إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » {اآل عمران:59}
فالتراب موجود قبل الخلق، والخلق هو " التقدير "، أي قدّر كمية تراب معينة بنوعيتها وخصائصها وطريقتها وأسلوبها معين، فهُنا من خلال آيات كثيرة جداً يأتي الخلق بمعنى التقدير.
أما «كُنْ فَيَكُونُ» هو الإيجاد من العدم، إذاً: خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، إذاً الإيجاد من العدم شيء والخلق شيء آخر. بل إنَّ بعض العُلماء يُفسّر قوله تعالى: « لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ »
أي خلق: قدر، ثم أمر: كن فيكون يعني أوجد من عدم.
والآية الثالثة على أن الخلق هو " التقدير "، فهناك سبب، لأن الله عز وجل يقول: «هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »
المصوِّر إعطاء الصورة الخارجية، فالذي عنده أطلس تشريح، يرى فيه إنساناً كله عضلات، وهو منظر مخيف فعضلات الوجه بالعشرات، ويرى إنساناً كله أعصاب، وآخر كله أوعية وهناك صورة هيكل عظمي،
وانظر إلى الإنسان في آخر وضع بعد كسوته بالجلد تجده جميلاً وانزع الجلد عنه فهناك المنظر المخيف، فربنا أعطاه صورة جميلة.
بشكل موجز فالخالق هو المُقدر، والبارئ هو الذي يوجد من عدم، والمصور هو الذي يعطي الصورة المناسبة لكل مخلوق، فهذا الإنسان خلق بعلم
  
~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف
التالي : اسم الله تعالى  ** البارئ**


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية