السبت، 21 مايو 2016

النّصف من شعبان وما صحّ عنه

النّصف من شعبان
وما صحّ عنه

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف



أولا : ارتباط العبادات الشعائرية بالعبادات التعاملية :

تكثر في هذه الأيام الأسئلة حول شعبان ، وحول النصف من شعبان ، وحول صيام النصف من شعبان ، وحول رجب قبلها ، وحول الإسراء والمعراج ، جميل جداً أن يسأل الإنسان عن شؤون دينه ، وعن تفاصيل العبادات ، ولكن قبل أن أمضي بالحديث عن شعبان، أريد أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة. لابد للمسلم الصادق والمخلص من سلّم أولويات ، الشيء الملاحظ أن العبادات نوعان ، عبادات شعائرية كالصيام ، والصلاة ، والحج ، وعبادات تعاملية كالصدق ، والأمانة ، وغض البصر ، والعفة، والمروءة ، وعدم البهتان والكذب ، والإنصاف ، والعدل ، وإنجاز الوعد، و وفاء العهد ، هذه عبادات تعاملية ، و لا تصح العبادات الشعائرية ما لم تكن العبادات التعاملية ، لأن هذا الدين منهج ، وحقوق العباد كما تعلمون مبنية على المشاحنة ، بينما حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة..

ثانيا: دليل أن العبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية :
كل شيء ينبغي أن يكون له دليل، والمؤمن الصادق الواعي لا يقبل شيئاً بلا دليل ، ولا يرفض شيئاً بلا دليل ، لو سألني أحدكم أين الدليل أن العبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية ؟ أقول : الزكاة ، قال تعالى : « قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ »  {التوبة : 53}
الحج ، ورد في الحديث الصحيح : ( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك) [الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]
الصيام : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ) [البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]
الزكاة والصيام والحج ، الصلاة ، قال تعالى: « اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ » {العنكبوت: 45}
فالذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر ما حقق من الصلاة هدفها ، إذاً العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، وأكبر دليل قول سيدنا جعفر عندما سأله النجاشي عن الإسلام فقال له : كنا قوماً أهل جاهلية ، الآن نصغي إلى تعريف الإسلام من صحابي جليل جليل : "نعبد الأصنام ، ونؤتي الفواحش ، ونقطع الأرحام .... حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه ، فدعانا إلى الله لنوحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة ، والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف حن المحارم والدماء ".
التعريف كان تعريف أخلاق ، هذه العبادة التعاملية فإن صحّتْ صحّت العبادة الشعائرية .

ثالثا: النوافل ليست مقياساً لتقوى الإنسان :
يبدو أن العبادة التعاملية لا تكلف شيئاً ، بسيطة ، لذلك في شهر شعبان و رجب و رمضان يأتيك وابل من الأسئلة حول مشروعية صيام النصف من شعبان ، أي إذا الإنسان غير مطبق لأصول الدين ولأركان الإسلام لماذا يتعلق هذا التعلق الشديد بصيام النصف من شعبان وهو سنة ؟ ولكن أنا أريد التوازن ؛ يوجد سلم أولويات .
فنحن لا نريد أن نجعل من النوافل مقياساً لتقوى الإنسان ، النبي عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه - ودققوا في هذا - كانوا في سفر وفي شهر رمضان ، بعض أصحابه أفطر وأخذ بالرخصة ، وبعض أصحابه صام وأخذ بالعزيمة ، فلا الذين صاموا أنكروا على الذين أفطروا ، ولا الذين أفطروا أنكروا على الذين صاموا ، لكن تروي بعض الروايات أن اليوم كان يوماً حاراً جداً ، وقد بلغ الجهد من أصحاب النبي مبلغاً لا يطاق ، فقام المفطرون ، و أوقدوا النار ، وطبخوا الطعام ، وخدموا أخوانهم الصائمين ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: (عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُنَا ظِلاً الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأجْر) [ البخاري عن أنس ]
على موضوع صيام النفل ؛ إنسان عنده عمل طويل ، وعنده بعد العمل الطويل أعمال كثيرة جداً ، ينجز في اليوم عشرين عملاً ، هذا إذا أفطر يتقوى على إنجاز هذه الأعمال كلها ، أما إذا صام يوماً واحداً فسيضطر أن يقبع في البيت ، ولا يستطيع أن يتابع ، فقضية صيام النفل لا أحد يتدخل بها إطلاقاً ، رجل متقاعد مرتاح لا يوجد عنده شيء نقول له : يجب أن تصوم كل الأيام التي أفطرتها ، ويوجد رجل عنده أعمال كثيرة جداً ، لو أنه صام تعطلت كل أعماله له أن يفطر ، فلا الذي يصوم ينكر على الذي أفطر ، ولا الذي يفطر ينكر على الذي يصوم ، هكذا كان أصحاب النبي ، قضايا النوافل لا تتدخلوا بها ، هذه بينك وبين الله ، ألم تصم يوم الخامس عشر من شعبان ؟ يحرجك ، والله لم أصم ، فيقول له : أصلحك الله .

رابعا: سلم الأولويات : رمضان فرض ، أما النوافل فكل إنسان له ظروفه الخاصة ، والنبي قال :" لا تحمروا الوجوه "
نحن لا نريد شخصية خرافية تتمسك بأشياء وتسهو عن أشياء ،  أريد سلم أولويات ، طاعة الله عز وجل في البيع والشراء ، في الحديث يجب أن تكون في الدرجة الأولى ، والإنسان كلامه من عمله ، كسب ماله ، إنفاق ماله، الشعائر في أعلى درجة أما المعاملات ففي أسفل درجة ، ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام .
الإنسان عندما يكون بكسب المال وإنفاق المال لا يتقي الله عز وجل فالشعائر لا تقدم ولا تؤخر ، وأحياناً تجد أن صلاته وحجه وصيامه عند الله غير مقبولة ، لأنه يأكل المال الحرام ، ويحتال على الناس ، ويغشهم في بيعهم وشرائهم ، فنحن لا نريد مسلماً فلكلورياً ، كلابية بيضاء يوم الجمعة ، معطر ، لكن ماله بالحرام ، نحن نريد مسلماً طاهراً.

خامسا: المفارقات الحادة بين أخلاق المسلمين و أعمالهم :
 جميل جداً أن تصوم في شعبان ورجب ، ولكن الأجمل من هذا أن تكون قائماً على حدود الله عز وجل، أن يجدك الله حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، ليس الولي الذي يطير في الهواء ، ولا الذي يمشي على وجه الماء ، ولكن الولي كل الولي الذي يتقي الله ، قال تعالى : « أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » { يونس : 62}
نحن نريد إسلاماً يجذب الناس إليك ، نريد ورعاً ، سيدنا أبو حنيفة النعمان كان يقف مع رجل في ظل بيت قال له : تنحى عن هذا الظل إلى الشمس ، قال له : لماذا ؟ قال له: لأن هذا البيت مرهون عندي وإني أكره أن أنتفع بظله ، هذا الورع ، وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، لفت نظري في هذه الأيام المفارقات الحادة ، لا نريد  إنساناً متفلتاً ويسأل عن صيام شهر شعبان ، لا نريد نحن إنساناً متفلتاً ويبحث عن عبادة شعائرية ليس في أدائها صعوبة إطلاقاً ، قال تعالى: « أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » {التوبة: 19}
ربما كانت معرفة الله وطاعته والوقوف عند حدوده أمراً يحتاج إلى جهاد ، وربما كان أداء بعض العبادات الشعائرية أمراً لا يقتضي إلا جهداً بسيطاً وسمعةً كبيرة .
(عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت : لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كلَّه ، وكان يقول : خُذُوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَملُّوا ، وأحبُّ الصلاة إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوومَ عليه وإِن قَلَّت ، وكان إِذا صلَّى صلاة داوم عليها ) [ متفق عليه عن عائشة ]

سادسا : من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله :
ما قصدت أبداً أن أقلل من قيمة الصيام في شعبان ، ما أردت أبدا أن أقلل من قيمة نوافل العبادات بالعكس. ( عن أبي هريرة قال : قَالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قال : من عادى لي وَلِيّا فقد آذَنتُه بحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه ، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله ، تردّدي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه ) [البخاري عن أبي هريرة ]
أنا ما أردت أن أقلل من قيمة أداء النوافل في هذه الأشهر الفضيلة ، لكن هناك أولويات ؛ الإسلام أعمق من ذلك ، قلت لكم : ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ، نحن نريد إسلاماً متوازناً ، إسلاماً متماسكاً ، لا نريد تناقضاً نريد وضوحاً .

سابعا: الدّين نقل و أخطر ما في النقل صحته :
دائماً كن واقعياً ، وإذا كنت واقعياً كلامك مسموع ، أساساً تعريف العلم الوصف المطابق للواقع مع الدليل.
يقول عليه الصلاة والسلام : (خُذُوا من العمل مَا تُطِيقُونَ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا وأحبُّ الصلاة إِلى النبي صلى الله عليه وسلم : ما دُووِمَ عليه ، وإِن قَلَّت ، وكان إِذا صلَّى صلاة داوم عليها ))
[ متفق عليه عن عائشة ]

ثامنا: خصائص شهر شعبان :
من خصائص هذا الشهر الفضيل أن ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل ، فكان يقول عليه الصلاة والسلام : " أنا أحب أن يرفع عملي وأنا صائم ".
( عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلا كَذَا أَلا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ) [أخبار مكة للفاكهي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ]
(عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ) [ابن ماجه عَنْ أبي موسى الأشعري]
قال تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا » {النساء: 84 }
هذه الآية الكريمة مرت مرات في القرآن عديدة ، وقد تلتبس على بعض الناس ، أولاً أولها المفسرون كما يلي : إن الله لا يغفر أن يشرك به ما لم يتب ، فإذا تاب غفر له كل شيء ، هذه الآية معناها إذا مات مشركاً ، أما إذا رجل كان مشركاً وتاب وأسلم وحسن إسلامه فإذا تاب يغفر الله له ذنب الشرك ، مع أن الشرك كما قال الله عز وجل : « وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » { لقمان : 13}
يقول الله تعالى : أنا أغنى الأغنياء عن الشرك - في الحديث القدسي - القلب المشترك لا أقبل عليه والعمل المشترك لا أقبله .
(عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ) [ابن ماجه عَنْ أبي موسى الأشعري]

تاسعا: فضل صيام الاثنين والخميس و الصيام في شعبان :
( عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الأيَّامَ يَسْرُدُ حَتَّى يُقَالَ لا يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ الأيَّامَ حَتَّى لا يَكَادَ أَنْ يَصُومَ إِلا يَوْمَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِنْ كَانَا فِي صِيَامِهِ ، وَإِلا صَامَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ لا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ وَتُفْطِرَ حَتَّى لا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلا فِي صِيَامِكَ وَإِلا صُمْتَهُمَا ، قَالَ : أَيُّ يَوْمَيْنِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ ، قَالَ : ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ، قَالَ: قُلْتُ : وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الأعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) [النسائي عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ]
لأنه مشرّع صلّى الله عليه و سلم . الأجسام أنواع يوجد إنسان إذا صام يوماً من دون صيام سابق ولاحق - سبحان الله الصيام في رمضان رحمة يألفه الناس جميعاً ، نظام موحد - كان عليه بأيام الصيف يوم واحد كشهر .
(...فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ لا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ وَتُفْطِرَ حَتَّى لا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ ..)  هذا الحديث أيضاً عن فضل صيام الاثنين والخميس ، وعن فضل الصيام في شعبان .
( إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ) [مستخرج أبي عوانة عن أبي هريرة]
ليكون لرمضان بهجة ، أي إذا الإنسان ألف أن يصوم صوماً متتابعاً فهذا موضوع ثان ، أما إذا أراد أن يصوم بعد النصف من شعبان أول مرة فلا ، الأولى ألا يصوم ، إذا كان هناك تتابع تابع ، أما أن تبدأ الصيام بعد النصف من شعبان النفل فهذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

عاشرا: تطبيق منهج الله بأكمله : أريد من هذا الدرس فضلاً عن الحديث عن فضل شعبان ، والصيام فيه ، وكيف أن الأعمال ترفع إلى الله ، وكيف أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فيغفر لخلقه إلا المشاحن وإلا المشرك ، لكن أردت أن يكون عند كل أخ مؤمن سلم أولويات ، فلا يفعل شيئاً ويترك شيئاً أكبر منه ، الأولى أن تطبق المنهج بأكمله ، فجميل جداً أن تصوم النوافل والأجمل من هذا أن تكون قائماً بكل الفرائض ، لذلك :
(وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألَني أعْطَيتُه ، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه ، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله ، تردّدي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه ) [البخاري عن أبي هريرة ]
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : من يأخذ من أُمَّتي خَمْسِ خِصالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ قَالَ قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ )
[أحمد عن أبي هريرة]
اتقاء المعاصي قبل كل شيء ، أداء الفرائض أيضاً قبل كل شيء ، بعد اتقاء المعاصي وأداء الفرائض لك أن تصوم ما تشاء ، ولك أن تفعل من النوافل ما تشاء

أحد عشر: النوافل سبب لمحبة الله و اجتناب نواهيه : أن تصوم في شعبان ، وأن تصوم كل النوافل ، وأن ترقى بها إلى الله ، بل إن الله عز وجل جعل من هذه النوافل سبباً لمحبته .
« وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ  »
هذا لا شك فيه ، أما اعتراضي فعلى إنسان تارك الفرائض ، وتارك الأصول، ومرتكب المعاصي والآثام ، ولا يشغله شيء في هذه الأيام إلا السؤال عن أحقية الصيام في شعبان ، هذا شيء لا يحتمل ، هذه المفارقة الحادة ، لابد من سلم أولويات تعرف ما هو جوهر الدين
والحمد لله رب العالمين
 
 ·   ·   ·   ·   ·   ·      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

author
زاد الروح
رسالة الوعي والتفكّر لا حدود لها وهاهنا بعضُ زادٍ منها لنمضي في طريق الوعي الفكري والعلم . مرحبا بكم في « زاد الرّوح » أحد مواقع بوابة يوتوبيا لتطوير الذات وتنمية الشخصية