هو الله الّذي لا إله إلا هو ** الرَّحمنُ
الرَّحيمُ **..
الرّحمنُ الرَّحيمُ كما
يقول الإمام الغزالي: " اسمان مشتقان من الرّحمة". والرّحمة تستدعي
مرحوماً، كما أن العلم يقتضي المعلوم. والرّحمة تقتضي المرحوم ولا مرحوم إلا وهو
محتاج ، الإله لا يكون مرحوماً هو راحم، أما المخلوق فهو مرحوم لأنه ضعيف ولأنه عاجز،
ولأنه فقير لأن قيامه ليس بذاته بل قيامه بغيره، إذاً هو مرحوم والعبد مرحوم لأنه
عبد، والربّ راحم لأنه ربّ، وأيُّ إنسان خرج عن دائرة العبودية ينسىَ أنه في حاجة
ماسة إلى رحمة الله عز وجل وهؤلاء الذين قالوا استغنينا عن رحمة السّماء من قبل،
جاءتهم سبع سنوات عجاف، مادمت عبداً فأنت مُفتقر إلى الله عز وجل، ما دمت عبداً فلا بد من
أنك بحاجة إلى الرحمة . اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير.
قال العلماء: إنّما
الرّحمة التّامة أن تُفيض عطاءك على المُحتاج، أن تريد وأن تفعل حتى تُسمّى
رحيماً، ولا تنسوا أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: « تخلّقوا بأخلاق الله ».
هُناك رحمةٌ عامة، وهناك
رحمةٌ تامة، الرحمة التامة ما توافرت فيها الإرادة والعمل، الرحمة العامة ما أصابت
المُستحقّ وغير المُستحقّ، يعني أحياناً تهطل أمطار غزيرة، هذه الأمطار تُفيد
الناس جميعاً، فهذه الرحمة العامة لكن الرحمة الخاصّة لا ينالُها إلاّ المُستحق.
مؤمن، وغير مؤمن تأكل
وتشرب وتستمتع بالطعام والشراب والماء البارد والدفء والبرودة والمناظر الطبيعية،
وتستمتع بالأهل والأولاد ، ولكن أن يتجلّى اللهُ على قلبك، وأن يملأ قلبكَ نوراً،
وأن يُقرِبَكَ إليه هذه رحمة خاصّة، هذه لا ينالُها إلا المُستحق، فلله في خلقه
رحمة عامة ورحمة خاصة، الرحمة العامة ينالها كل الناس قال تعالى:
« وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آَمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ
الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ
كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ » {البقرة:126}
هناك اجتباء، وهناك تقريب
وهناك مقعد صدق عند مليك مقتدر وهناك نور يقذفه الله في قلبك، فترى به الخير خيراً
والشر شراً هناك شعور أن الله يحبك، هناك مشاعر لو وزعت على أهل بلد لأسعدتهم
" إن الله يعطي
الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب "
والشّيء الذي يجب أن
تسعى إليه هو رحمتَه الخاصة، بأن يعلِّمكَ، وأن يُلقي في قلبك نوراً، وأن
يعلِّمُكَ من تأويل الأحاديث، أن يُلهِمُكَ الحِكمة أن تضع الشيء المناسب بالقدر
المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب مع الشخص المناسب، قال تعالى: «
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ » {البقرة:269}
أن يُعلِمَكَ وأن يُؤتيك
الحكمة، وأن يرزُقُكَ طيباً، وأن يستعملك صالحاً . إنّ المسلم إنسان يمتلئ قلبه
بالرحمة ويدرك أنه من لا يَرحم لا يُرحم.. فإذا شعر رجل أنه سبب في شقاء الآخرين
أو أنه يستطيع أن يخفف عن الآخرين آلامهم وبؤسهم ثم لم يفعل هذا الشعور يشقيه إلى
الأبد... الإنسان عندما يقف أمام حالة بائسة يُحِسُ أنه يكاد يتفطُّر قلبُهُ،
يُحِسُ أنه يتمزق في أعماقِهِ، يُحِسْ بمشاعر رحمةٍ معينة، يا ترى رب العالمين هل
تعتريه هذه المشاعر، لا !! هو منزّه عن هذا لأنه إله، لكنه يرحم كل خلقه
والشيء الثاني: عندما
الإنسان يرحم مخلوقاً معذّباً فإنما يرحمه حتى يُريح نفسه مما اعتراه من مشاعر
منغصة، فهذا ضعف فيه، لكنَّ الله عز وجل يرحم لمصلحة المخلوق لا لمصلحة الراحم،
نقطتان مهمتان يعني مشاعر الرحيم من بني البشر فالله سبحانه وتعالى مُنزّهٌ
عن مثل هذه المشاعر وحينما تندفع لرحمة مخلوق فاندفاعك هذا كي تستريح، إذاً هذه
الرحمة معلولة، أنت بهذا العطاء تبتغي راحة نفسك، لكنَّ خالق الكون يرحم مخلوقاته
ليرحمهم، لا يرحمهم ليتخلّص من شعور محصن اعتراه لا... فالله عز وجل مُنزّه عنه.
بعض العلماء قال: الرحمن
في ذاته، اسم من أسماء ذاته والرحيم في أفعاله وبعضهم قال الرحمن في الدنيا والآخرة
-هنا سؤال كبير
جداً.. يا أخي الله رحيم، وهذه الزلازل وهذه الفيضانات، وهذه المجاعات، وهذه
الحروب الأهلية في العالم وهذا القهر
وهذا الفقر وهذه الأمراض الخطيرة يحتار في أمرها المرء ويذهل دونها فهذه كلها التي
تؤذي عينك مصدرها من الرحمن، لأنَّ الرحمن يشمُل الدنيا والآخرة، الإنسان إذا مرض
فهذا من مصائب الدنيا فقط ؛ فالفقر مُؤلم والمرض مُؤلم، والحرمان مُؤلم والقهر
مُؤلم، والذُلْ مُؤلم، أما إذا كان هذا الحرمان سبباً لعطاء مديد إذا كان هذا
الإضرار سبباً لنفع طويل، إذا كان هذا القبض سبباً لبسط كثير فهذا إذاً ضُرُّ
لمنفعة لذلك إذا رأيت شيئاً أمراً مؤذياً فاعلم أن الله سبحانه وتعالى يَضُرّ
لِينفع، ويأخُذ لِيُعطي ويبتلي لِيَجزي، ويُذِل لِيُعِز، ويقبض لِيَبسِط لذلك أجمل
كلمة قالها بعض العارفين: " الشر المطلق لا وجود له في الكون" . والشر
المطلق .. هو الشر الذي يُبتغى لذاته
إنّ الإنسان إذا لم يُوّحد
يقع في شقاء لا نهاية له، والتوحيد ألاّ ترى مع الله أحداً، وأن ترى كل شيء ينتهي
إلى خير، ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ وأن تدعو الله عزَّ وجل أن يرحمك في الدنيا
والآخرة، وأن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
~ من موسوعة أسماء الله الحُسنى للدكتور محمد راتب النابلسي بتصرّف
التالي : اسم الله تعالى ** الملك**
• • • • • • • •
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق